حمل المصحف

Translate ترجم الي اي لغة تختارها داد7.

الخميس، 9 فبراير 2017

17 من قوله تعالي(ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس..)الي(وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ..)

126
(ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم ( 199 )

" ثم " هاهنا لعطف خبر على خبر وترتيبه عليه ، كأنه تعالى أمر الواقف بعرفات أن يدفع إلى المزدلفة ، ليذكر الله عند المشعر الحرام ، وأمره أن يكون وقوفه مع جمهور الناس بعرفات ، كما كان جمهور الناس يصنعون ، يقفون بها إلا قريشا ، فإنهم لم يكونوا يخرجون من الحرم ، فيقفون في طرف الحرم عند أدنى الحل ، ويقولون : نحن أهل الله في بلدته ، وقطان بيته .
وقال البخاري : حدثنا علي بن عبد الله ، حدثنا محمد بن حازم ، حدثنا هشام ، عن أبيه ، عن عائشة قالت : كانت قريش ومن دان دينها يقفون بالمزدلفة ، وكانوا يسمون الحمس ، وكان سائر العرب يقفون بعرفات . فلما جاء الإسلام أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يأتي عرفات ، ثم يقف بها ثم يفيض [ ص: 556 ] منها ، فذلك قوله : ( من حيث أفاض الناس ) .
وكذا قال ابن عباس ، ومجاهد ، وعطاء ، وقتادة ، والسدي ، وغيرهم . واختاره ابن جرير ، وحكى عليه الإجماع ، رحمهم الله
وقال الإمام أحمد ، حدثنا سفيان ، عن عمرو ، عن محمد بن جبير بن مطعم ، عن أبيه ، قال : أضللت بعيرا لي بعرفة ، فذهبت أطلبه ، فإذا النبي صلى الله عليه وسلم واقف ، قلت : إن هذا من الحمس ما شأنه هاهنا ؟
أخرجاه في الصحيحين . ثم روى البخاري من حديث موسى بن عقبة ، عن كريب ، عن ابن عباس ما يقتضي أن المراد بالإفاضة هاهنا هي الإفاضة من المزدلفة إلى منى لرمي الجمار . فالله أعلم . وحكاه ابن جرير ، عن الضحاك بن مزاحم فقط . قال : والمراد بالناس : إبراهيم ، عليه السلام . وفي رواية عنه : الإمام . قال ابن جرير ولولا إجماع الحجة على خلافه لكان هو الأرجح .
وقوله : ( واستغفروا الله إن الله غفور رحيم ) كثيرا ما يأمر الله بذكره بعد قضاء العبادات ; ولهذا ثبت في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من الصلاة يستغفر ثلاثا . وفي الصحيحين أنه ندب إلى التسبيح والتحميد والتكبير ، ثلاثا وثلاثين ، ثلاثا وثلاثين .
وقد روى ابن جرير هاهنا حديث ابن عباس بن مرداس السلمي في استغفاره ، عليه السلام ، لأمته عشية عرفة ، وقد أوردناه في جزء جمعناه في فضل يوم عرفة .
وأورد ابن مردويه هاهنا الحديث الذي رواه البخاري ، عن شداد بن أوس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " سيد الاستغفار أن يقول العبد : اللهم أنت ربي ، لا إله إلا أنت ، خلقتني وأنا عبدك ، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت ، أعوذ بك من شر ما صنعت ، أبوء لك بنعمتك علي ، وأبوء بذنبي ، فاغفر لي ، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت . من قالها في ليلة فمات في ليلته دخل الجنة ، ومن قالها في [ ص: 557 ] يومه فمات دخل الجنة " .
وفي الصحيحين عن عبد الله بن عمرو : أن أبا بكر قال : يا رسول الله ، علمني دعاء أدعو به في صلاتي ؟ فقال : " قل : اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت ، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني ، إنك أنت الغفور الرحيم " والأحاديث في الاستغفار كثيرة .
127
( فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ( 200 ) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ( 201 ) أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ( 202 ) )
يَأْمُرُ تَعَالَى بِذِكْرِهِ وَالْإِكْثَارِ مِنْهُ بَعْدَ قَضَاءِ الْمَنَاسِكِ وَفَرَاغِهَا .
وَقَوْلُهُ : ( كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ ) اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ ، فَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَطَاءٍ : هُوَ كَقَوْلِ الصَّبِيِّ : " أَبَهْ أُمَّهْ " ، يَعْنِي : كَمَا يَلْهَجُ الصَّبِيُّ بِذِكْرِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ ، فَكَذَلِكَ أَنْتُمْ ، فَالْهَجُوا بِذِكْرِ اللَّهِ بَعْدَ قَضَاءِ النُّسُكِ . وَكَذَا قَالَ الضَّحَّاكُ وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ . وَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ الْعَوْفِيِّ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوَهُ .
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ [ قَالَ ] : كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَقِفُونَ فِي الْمَوْسِمِ فَيَقُولُ الرَّجُلُ مِنْهُمْ : كَانَ أَبِي يُطْعِمُ وَيَحْمِلُ الْحَمَالَاتِ [ وَيَحْمِلُ الدِّيَاتِ ] . لَيْسَ لَهُمْ ذِكْرٌ غَيْرُ فِعَالِ آبَائِهِمْ . فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا )
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ : وَرُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، وَأَبِي وَائِلٍ ، وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، وَعِكْرِمَةَ فِي إِحْدَى رِوَايَاتِهِ ، وَمُجَاهِدٍ ، وَالسُّدِّيِّ ، وَعَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ ، وَالرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ ، وَالْحَسَنِ ، وَقَتَادَةَ ، وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ ، وَمُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ ، نَحْوَ ذَلِكَ . وَهَكَذَا حَكَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ أَيْضًا عَنْ جَمَاعَةٍ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ الْحَثُّ عَلَى كَثْرَةِ الذِّكْرِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ; وَلِهَذَا كَانَ انْتِصَابُ قَوْلِهِ : ( أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا ) عَلَى التَّمْيِيزِ ، تَقْدِيرُهُ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ مِنْهُ ذِكْرًا . وَ " أَوْ " هَاهُنَا لِتَحْقِيقِ الْمُمَاثِلَةِ فِي الْخَبَرِ ، كَقَوْلِهِ : ( فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ) [ الْبَقَرَةِ : 74 ] ، وَقَوْلِهِ : ( يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً ) [ النِّسَاءِ : 77 ] ، [ ص: 558 ] ) وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ ) [ الصَّافَّاتِ : 147 ] ، ( فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى ) [ النَّجْمِ : 9 ] . فَلَيْسَتْ هَاهُنَا لِلشَّكِّ قَطْعًا ، وَإِنَّمَا هِيَ لِتَحْقِيقِ الْخَبَرِ عَنْهُ بِأَنَّهُ كَذَلِكَ أَوْ أَزْيَدَ مِنْهُ . ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى أَرْشَدَ إِلَى دُعَائِهِ بَعْدَ كَثْرَةِ ذِكْرِهِ ، فَإِنَّهُ مَظِنَّةُ الْإِجَابَةِ ، وَذَمَّ مَنْ لَا يَسْأَلُهُ إِلَّا فِي أَمْرِ دُنْيَاهُ ، وَهُوَ مُعْرِضٌ عَنْ أُخْرَاهُ ، فَقَالَ : ( فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ) أَيْ : مِنْ نَصِيبٍ وَلَا حَظٍّ . وَتَضَمَّنَ هَذَا الذَّمُّ التَّنْفِيرَ عَنِ التَّشَبُّهِ بِمَنْ هُوَ كَذَلِكَ . قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : كَانَ قَوْمٌ مِنَ الْأَعْرَابِ يَجِيئُونَ إِلَى الْمَوْقِفِ ، فَيَقُولُونَ : اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ عَامَ غَيْثٍ وَعَامَ خِصْبٍ وَعَامَ وَلَادٍ حَسَنٍ . لَا يَذْكُرُونَ مِنْ أَمْرِ الْآخِرَةِ شَيْئًا ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ : ( فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ) وَكَانَ يَجِيءُ بَعَدَهُمْ آخَرُونَ [ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ] فَيَقُولُونَ : ( رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ) فَأَنْزَلَ اللَّهُ : ( أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ) وَلِهَذَا مَدَحَ مَنْ يَسْأَلُهُ لِلدُّنْيَا وَالْأُخْرَى ، فَقَالَ : ( وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ) فَجَمَعَتْ هَذِهِ الدَّعْوَةُ كُلَّ خَيْرٍ فِي الدُّنْيَا ، وَصَرَفَتْ كُلَّ شَرٍّ ، فَإِنَّ الْحَسَنَةَ فِي الدُّنْيَا تَشْمَلُ كُلَّ مَطْلُوبٍ دُنْيَوِيٍّ ، مِنْ عَافِيَةٍ ، وَدَارٍ رَحْبَةٍ ، وَزَوْجَةٍ حَسَنَةٍ ، وَرِزْقٍ وَاسِعٍ ، وَعِلْمٍ نَافِعٍ ، وَعَمَلٍ صَالِحٍ ، وَمَرْكَبٍ هَنِيءٍ ، وَثَنَاءٍ جَمِيلٍ ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ عِبَارَاتُ الْمُفَسِّرِينَ ، وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهَا ، فَإِنَّهَا كُلَّهَا مُنْدَرِجَةٌ فِي الْحَسَنَةِ فِي الدُّنْيَا . وَأَمَّا الْحَسَنَةُ فِي الْآخِرَةِ فَأَعْلَى ذَلِكَ دُخُولُ الْجَنَّةِ وَتَوَابِعُهُ مِنَ الْأَمْنِ مِنَ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ فِي الْعَرَصَاتِ ، وَتَيْسِيرِ الْحِسَابِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أُمُورِ الْآخِرَةِ الصَالِحٍةِ ، وَأَمَّا النَّجَاةُ مِنَ النَّارِ فَهُوَ يَقْتَضِي تَيْسِيرَ أَسْبَابِهِ فِي الدُّنْيَا ، مِنَ اجْتِنَابِ الْمَحَارِمِ وَالْآثَامِ وَتَرْكِ الشُّبَهَاتِ وَالْحَرَامِ .
وَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ : مَنْ أُعْطِيَ قَلْبًا شَاكِرًا ، وَلِسَانًا ذَاكِرًا ، وَجَسَدًا صَابِرًا ، فَقَدْ أُوتِيَ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً ، وَوُقِيَ عَذَابَ النَّارِ .
وَلِهَذَا وَرَدَتِ السُّنَّةُ بِالتَّرْغِيبِ فِي هَذَا الدُّعَاءِ . فَقَالَ الْبُخَارِيُّ : حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " اللَّهُمَّ رَبَّنَا ، آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ "
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ : كَانَ أَكْثَرُ دَعْوَةٍ يَدْعُو بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ يَقُولُ ] : " اللَّهُمَّ رَبَّنَا ، آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً ، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً ، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ " . [ ص: 559 ]
[ وَكَانَ أَنَسٌ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ بِدَعْوَةٍ دَعَا بِهَا ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ بِدُعَاءٍ دَعَا بِهَا فِيهِ ] .
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ : حَدَّثَنَا أَبِي ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ شَدَّادٍ يَعْنِي أَبَا طَالُوتَ قَالَ : كُنْتُ عِنْدَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، فَقَالَ لَهُ ثَابِتٌ : إِنَّ إِخْوَانَكَ يُحِبُّونَ أَنْ تَدْعُوَ لَهُمْ . فَقَالَ : اللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً ، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً ، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ . وَتَحَدَّثُوا سَاعَةً حَتَّى إِذَا أَرَادُوا الْقِيَامَ ، قَالَ : يَا أَبَا حَمْزَةَ ، إِنَّ إِخْوَانَكَ يُرِيدُونَ الْقِيَامَ فَادْعُ لَهُمْ فَقَالَ : تُرِيدُونَ أَنْ أُشَقِّقَ لَكُمُ الْأُمُورَ ، إِذَا آتَاكُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً ، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً ، وَوَقَاكُمْ عَذَابَ النَّارِ فَقَدْ آتَاكُمُ الْخَيْرَ كُلَّهُ .
وَقَالَ أَحْمَدُ أَيْضًا : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ ، عَنْ حُمَيْدٍ ، [ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَكْرٍ السَّهْمِيِّ ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ ] عَنْ أَنَسٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَادَ رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَدْ صَارَ مِثْلَ الْفَرْخِ . فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " هَلْ تَدْعُو اللَّهَ بِشَيْءٍ أَوْ تَسْأَلُهُ إِيَّاهُ ؟ " قَالَ : نَعَمْ ، كُنْتُ أَقُولُ : اللَّهُمَّ مَا كُنْتَ مُعَاقِبِي بِهِ فِي الْآخِرَةِ فَعَجِّلْهُ لِي فِي الدُّنْيَا . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " سُبْحَانَ اللَّهِ ! لَا تُطِيقُهُ ، أَوْ لَا تَسْتَطِيعُهُ ، فَهَلَّا قُلْتَ : ( رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ) " . قَالَ : فَدَعَا اللَّهَ ، فَشَفَاهُ .
انْفَرَدَ بِإِخْرَاجِهِ مُسْلِمٌ ، فَرَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي عَدِيٍّ بِهِ .
وَقَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ : أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ الْقَدَّاحُ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عُبَيْدٍ مَوْلَى السَّائِبِ عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ : أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِيمَا بَيْنُ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ وَالرُّكْنِ الْأَسْوَدِ : ( رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ) . وَرَوَاهُ الثَّوْرِيُّ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ كَذَلِكَ .
وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، نَحْوَ ذَلِكَ . وَفِي سَنَدِهِ ضَعْفٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَقَالَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْبَاقِي ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ مُسَاوِرٍ ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سُلَيْمَانَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هُرْمُزَ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا مَرَرْتُ عَلَى الرُّكْنِ إِلَّا رَأَيْتُ عَلَيْهِ مَلَكًا يَقُولُ : آمِينَ . فَإِذَا مَرَرْتُمْ عَلَيْهِ فَقُولُوا : ( رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ )[ ص: 560 ]
وَقَالَ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ : أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا الْعَنْبَرِيِّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ ، عَنِ الْأَعْمَشِ ، عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ : إِنِّي أَجَّرْتُ نَفْسِي مِنْ قَوْمٍ عَلَى أَنْ يَحْمِلُونِي ، وَوَضَعْتُ لَهُمْ مِنْ أُجْرَتِي عَلَى أَنْ يَدَعُونِي أَحُجَّ مَعَهُمْ ، أَفَيُجْزِي ذَلِكَ ؟ فَقَالَ : أَنْتَ مِنَ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ [ فِيهِمْ ] : ( أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ) ثُمَّ قَالَ الْحَاكِمُ : صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ .
128
( وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ( 203 ) )

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : " الْأَيَّامُ الْمَعْدُودَاتُ " أَيَّامُ التَّشْرِيقِ ، وَ " الْأَيَّامُ الْمَعْلُومَاتُ " أَيَّامُ الْعَشْرِ . وَقَالَ عِكْرِمَةُ : ( وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ ) يَعْنِي : التَّكْبِيرُ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ بَعْدَ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ : اللَّهُ أَكْبَرُ ، اللَّهُ أَكْبَرُ .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عَلِيٍّ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : سَمِعْتُ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَوْمُ عَرَفَةَ وَيَوْمُ النَّحْرِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ عِيدُنَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ ، وَهِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ " .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَيْضًا : حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ ، أَخْبَرَنَا خَالِدٌ ، عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ ، عَنْ نُبَيْشَةَ الْهُذَلِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرِ اللَّهِ " . رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا وَتَقَدَّمَ حَدِيثُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ : " عَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ ، وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ كُلُّهَا ذَبْحٌ " . وَتَقَدَّمَ [ أَيْضًا ] حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْمُرَ الدِّيلِيِّ " وَأَيَّامُ مِنًى ثَلَاثَةٌ ، فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ، وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ " .
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ : حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَخَلَادُ بْنُ أَسْلَمَ ، قَالَا حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ طُعْمٍ وَذِكْرٍ " .
وَحَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ أَسْلَمَ ، حَدَّثَنَا رَوْحٌ ، حَدَّثَنَا صَالِحٍ ، حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حُذَافَةَ يَطُوفُ فِي مِنًى : " لَا تَصُومُوا هَذِهِ الْأَيَّامَ ، فَإِنَّهَا أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ ، وَذِكْرِ اللَّهِ ، عَزَّ وَجَلَّ " . [ ص: 561 ]
وَحَدَّثَنَا يَعْقُوبُ ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، قَالَ : بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حُذَافَةَ ، فَنَادَى فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَقَالَ : " إِنَّ هَذِهِ الْأَيَّامَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرِ اللَّهِ ، إِلَّا مَنْ كَانَ عَلَيْهِ صَوْمٌ مِنْ هَدْيٍ " .
زِيَادَةٌ حَسَنَةٌ وَلَكِنْ مُرْسَلَةٌ . وَبِهِ قَالَ هُشَيْمٌ ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ بِشْرَ بْنَ سُحَيْمٍ ، فَنَادَى فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَقَالَ : " إِنَّ هَذِهِ الْأَيَّامَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرِ اللَّهِ " .
وَقَالَ هُشَيْمٌ ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى ، عَنْ عَطَاءٍ ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَوْمِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ، قَالَ : " هِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرِ اللَّهِ " .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ حَكِيمٍ ، عَنْ مَسْعُودِ بْنِ الْحَاكِمِ الزُّرَقَيِّ ، عَنْ أُمِّهِ قَالَتْ : لَكَأَنِيٍّ أَنْظُرُ إِلَى عَلِيٍّ عَلَى بَغْلَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَيْضَاءَ ، حَتَّى وَقَفَ عَلَى شِعْبِ الْأَنْصَارِ وَهُوَ يَقُولُ : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّهَا لَيْسَتْ بِأَيَّامِ صِيَامٍ ، إِنَّمَا هِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ " .
وَقَالَ مِقْسَمٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : الْأَيَّامُ الْمَعْدُودَاتُ : أَيَّامُ التَّشْرِيقِ ، أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ : يَوْمُ النَّحْرِ ، وَثَلَاثَةُ [ أَيَّامٍ ] بَعْدَهُ ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ ، وَأَبِي مُوسَى ، وَعَطَاءٍ ، وَمُجَاهِدٍ ، وَعِكْرِمَةَ ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، وَأَبِي مَالِكٍ ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ ، [ وَيَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ] وَالْحَسَنِ ، وَقَتَادَةَ ، وَالسُّدِّيِّ ، وَالزُّهْرِيِّ ، وَالرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ ، وَالضَّحَّاكِ ، وَمُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ ، وَعَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ ، وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ ، وَغَيْرِهِمْ مِثْلَ ذَلِكَ .
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ : هِيَ ثَلَاثَةٌ ، يَوْمُ النَّحْرِ وَيَوْمَانِ بَعْدَهُ ، اذْبَحْ فِي أَيِّهِنَّ شِئْتَ ، وَأَفْضَلُهَا أَوَّلُهَا .
وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ وَعَلَيْهِ دَلَّ ظَاهِرُ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ ، حَيْثُ قَالَ : ( فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ) فَدَلَّ عَلَى ثَلَاثَةٍ بَعْدَ النَّحْرِ .
وَيَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ : ( وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ ( ذِكْرُ اللَّهِ عَلَى الْأَضَاحِيِّ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ، وَأَنَّ الرَّاجِحَ فِي ذَلِكَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ ، رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَهُوَ أَنَّ وَقْتَ الْأُضْحِيَّةِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ إِلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ . وَيَتَعَلَّقُ بِهِ أَيْضًا الذَّكَرُ الْمُؤَقَّتُ خَلْفَ الصَّلَوَاتِ ، وَالْمُطْلَقُ فِي سَائِرِ الْأَحْوَالِ . وَفِي وَقْتِهِ أَقْوَالٌ لِلْعُلَمَاءِ ، وَأَشْهَرُهَا الذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ أَنَّهُ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ يَوْمَ عَرَفَةَ إِلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ، وَهُوَ آخِرُ النَّفْرِ الْآخِرِ . وَقَدْ جَاءَ فِيهِ حَدِيثٌ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ ، وَلَكِنْ لَا يَصِحُّ مَرْفُوعًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ . وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، كَانَ يُكَبِّرُ فِي قُبَّتِهِ ، فَيُكَبِّرُ أَهْلُ السُّوقِ [ ص: 562 ] بِتَكْبِيرِهِ ، حَتَّى تَرْتَجَّ مِنًى تَكْبِيرًا .
وَيَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ أَيْضًا التَّكْبِيرُ وَذِكْرُ اللَّهِ عِنْدَ رَمْيِ الْجَمَرَاتِ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ . وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ : " إِنَّمَا جُعِلَ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ ، وَالسَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَرَمْيُ الْجِمَارِ ، لِإِقَامَةِ ذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ " .
وَلَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى النَّفْرَ الْأَوَّلَ وَالثَّانِيَ ، وَهُوَ تَفَرُّقُ النَّاسِ مِنْ مَوْسِمِ الْحَجِّ إِلَى سَائِرِ الْأَقَالِيمِ وَالْآفَاقِ بَعْدَ اجْتِمَاعِهِمْ فِي الْمَشَاعِرِ وَالْمَوَاقِفِ ، قَالَ : ( وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ) [ أَيْ : تَجْتَمِعُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ] ، كَمَا قَالَ : ( وَهُوَ الذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ) [ الْمُؤْمِنُونَ : 79 ] .
129
( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ ( 204 ) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ ( 205 ) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلِبِئْسَ الْمِهَادُ ( 206 ) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ( 207 ) )

قَالَ السُّدِّيُّ : نَزَلَتْ فِي الْأَخْنَسِ بْنِ شَرِيقٍ الثَّقَفِيِّ ، جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَظْهَرَ الْإِسْلَامَ وَفِي بَاطِنِهِ خِلَافُ ذَلِكَ . وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي نَفَرٍ مِنَ الْمُنَافِقِينَ تَكَلَّمُوا فِي خُبَيْبٍ وَأَصْحَابِهِ الَّذِينَ قُتِلُوا بِالرَّجِيعِ وَعَابُوهُمْ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي ذَمِّ الْمُنَافِقِينَ وَمَدْحِ خُبَيْبٍ وَأَصْحَابِهِ : ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ )
وَقِيلَ : بَلْ ذَلِكَ عَامٌّ فِي الْمُنَافِقِينَ كُلِّهِمْ وَفِي الْمُؤْمِنِينَ كُلِّهِمْ . وَهَذَا قَوْلُ قَتَادَةَ ، وَمُجَاهِدٍ ، وَالرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ ، وَغَيْرِ وَاحِدٍ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ .
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ : حَدَّثَنِي يُونُسُ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ ، أَخْبَرَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ ، عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ ، عَنِ الْقُرَظِيِّ ، عَنْ نَوْفٍ وَهُوَ الْبِكَالِيُّ ، وَكَانَ مِمَّنْ يَقْرَأُ الْكُتُبَ قَالَ : إِنِّي لَأَجِدُ صِفَةَ نَاسٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ فِي كِتَابِ اللَّهِ الْمُنَزَّلِ : قَوْمٌ يَحْتَالُونَ عَلَى الدُّنْيَا بِالدِّينِ ، أَلْسِنَتُهُمْ أَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ ، وَقُلُوبُهُمْ أَمَرُّ مِنَ الصَّبْرِ ، يَلْبَسُونَ لِلنَّاسِ مُسُوكَ الضَّأْنِ ، وَقُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الذِّئَابِ . يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى : فَعَلِيَّ يَجْتَرِئُونَ ! وَبِي يَغْتَرُّونَ ! حَلَفْتُ بِنَفْسِي لَأَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ فِتْنَةً تَتْرُكُ الْحَلِيمَ فِيهَا حَيْرَانَ . قَالَ الْقُرَظِيُّ : تَدَبَّرْتُهَا فِي الْقُرْآنِ ، فَإِذَا هُمُ الْمُنَافِقُونَ ، فَوَجَدْتُهَا : ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ ) الْآيَةَ .
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مَعْشَرٍ ، أَخْبَرَنِي أَبِي أَبُو مَعْشَرٍ نَجِيحٌ قَالَ : سَمِعْتُ سَعِيدًا الْمَقْبُرِيَّ يُذَاكِرُ مُحَمَّدَ بْنَ كَعْبٍ الْقُرَظِيَّ ، فَقَالَ سَعِيدٌ : إِنَّ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ : إِنَّ [ لِلَّهِ ] عِبَادًا أَلْسِنَتُهُمْ أَحْلَى مِنَ [ ص: 563 ] الْعَسَلِ ، وَقُلُوبُهُمْ أَمَرُّ مِنَ الصَّبْرِ ، لَبِسُوا لِلنَّاسِ مُسُوكَ الضَّأْنِ مِنَ اللِّينِ ، يَجْتَرُّونَ الدُّنْيَا بِالدِّينِ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : عَلِيَّ تَجْتَرِئُونَ ! وَبِي تَغْتَرُّونَ ! . وَعِزَّتِي لَأَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ فِتْنَةً تُتْرَكُ الْحَلِيمَ مِنْهُمْ حَيْرَانَ . فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ : هَذَا فِي كِتَابِ اللَّهِ . فَقَالَ سَعِيدٌ : وَأَيْنَ هُوَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ ؟ قَالَ : قَوْلُ اللَّهِ : ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) الْآيَةَ . فَقَالَ سَعِيدٌ : قَدْ عَرَفْتُ فِيمَنْ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ . فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ : إِنَّ الْآيَةَ تَنْزِلُ فِي الرَّجُلِ ، ثُمَّ تَكُونُ عَامَّةً بَعْدُ . وَهَذَا الذِي قَالَهُ الْقُرَظِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ : ( وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ ) فَقَرَأَهُ ابْنُ مُحَيْصِنٍ : " وَيَشْهَدُ اللَّهُ " بِفَتْحِ الْيَاءِ ، وَضَمِّ الْجَلَالَةِ ( عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ ) وَمَعْنَاهَا : أَنَّ هَذَا وَإِنْ أَظْهَرَ لَكُمُ الْحِيَلَ لَكِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مِنْ قَلْبِهِ الْقَبِيحِ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى : ( إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لِرَسُولِ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لِرَسُولِهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ) [ الْمُنَافِقُونَ : 1 ] .
وَقِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ بِضَمِّ الْيَاءِ ، وَنَصْبِ الْجَلَالَةِ ( وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ ) وَمَعْنَاهُ : أَنَّهُ يُظْهِرُ لِلنَّاسِ الْإِسْلَامَ وَيُبَارِزُ اللَّهَ بِمَا فِي قَلْبِهِ مِنَ الْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى : ( يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ ) الْآيَةَ [ النِّسَاءِ : 108 ] هَذَا مَعْنَى مَا رَوَاهُ ابْنُ إِسْحَاقَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُحَمَّدٍ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ .
وَقِيلَ : مَعْنَاهُ أَنَّهُ إِذَا أَظْهَرَ لِلنَّاسِ الْإِسْلَامَ حَلَفَ وَأَشْهَدَ اللَّهَ لَهُمْ : أَنَّ الذِي فِي قَلْبِهِ مُوَافِقٌ لِلِسَانِهِ . وَهَذَا الْمَعْنَى صَحِيحٌ ، وَقَالَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ ، وَعَزَاهُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَحَكَاهُ عَنْ مُجَاهِدٍ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَقَوْلُهُ : ( وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ ) الْأَلَدُّ فِي اللُّغَةِ : [ هُوَ ] الْأَعْوَجُ ، ( وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا ) [ مَرْيَمَ : 97 ] أَيْ : عُوجًا . وَهَكَذَا الْمُنَافِقُ فِي حَالِ خُصُومَتِهِ ، يَكْذِبُ ، وَيَزْوَرُّ عَنِ الْحَقِّ وَلَا يَسْتَقِيمُ مَعَهُ ، بَلْ يَفْتَرِي وَيَفْجُرُ ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ : إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ " .
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ : حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ تَرْفَعُهُ قَالَ : " أَبْغَضُ الرِّجَالِ إِلَى اللَّهِ الْأَلَدُّ الْخَصِمُ " .
قَالَ : وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، حَدَّثَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنَّ أَبْغَضَ الرِّجَالِ إِلَى اللَّهِ الْأَلَدُّ الْخَصِمُ " .
وَهَكَذَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ فِي قَوْلِهِ : ( وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ ) عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنَّ أَبْغَضَ الرِّجَالِ إِلَى اللَّهِ الْأَلَدُّ الْخَصِمُ " . [ ص: 564 ]
وَقَوْلُهُ : ( وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ ) أَيْ : هُوَ أَعْوَجُ الْمَقَالِ ، سَيِّئُ الْفِعَالِ ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ ، وَهَذَا فِعْلُهُ : كَلَامُهُ كَذِبٌ ، وَاعْتِقَادُهُ فَاسِدٌ ، وَأَفْعَالُهُ قَبِيحَةٌ .
وَالسَّعْيُ هَاهُنَا هُوَ : الْقَصْدُ . كَمَا قَالَ إِخْبَارًا عَنْ فِرْعَوْنَ : ( ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى فَحَشَرَ فَنَادَى فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى ) [ النَّازِعَاتِ : 2226 ] ، وَقَالَ تَعَالَى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ) [ الْجُمْعَةِ : 9 ] أَيِ : اقْصُدُوا وَاعْمَدُوا نَاوِينَ بِذَلِكَ صَلَاةَ الْجُمْعَةِ ، فَإِنَّ السَّعْيَ الْحِسِّيَّ إِلَى الصَّلَاةِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ بِالسُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ : " إِذَا أَتَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَلَا تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ ، وَأْتُوهَا وَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ " .
فَهَذَا الْمُنَافِقُ لَيْسَ لَهُ هِمَّةٌ إِلَّا الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ، وَإِهْلَاكَ الْحَرْثِ ، وَهُوَ : مَحَلُّ نَمَاءِ الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ وَالنَّسْلِ ، وَهُوَ : نِتَاجُ الْحَيَوَانَاتِ الَّذِينَ لَا قِوَامَ لِلنَّاسِ إِلَّا بِهِمَا .
وَقَالَ مُجَاهِدٌ : إِذَا سَعَى فِي الْأَرْضِ فَسَادًا ، مَنَعَ اللَّهُ الْقَطْرَ ، فَهَلَكَ الْحَرْثُ وَالنَّسْلُ . ( وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ ) أَيْ : لَا يُحِبُّ مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ ، وَلَا مَنْ يَصْدُرُ مِنْهُ ذَلِكَ .
وَقَوْلُهُ : ( وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ ) أَيْ : إِذَا وُعِظَ هَذَا الْفَاجِرُ فِي مَقَالِهِ وَفِعَالِهِ ، وَقِيلَ لَهُ : اتَّقِ اللَّهَ ، وَانْزَعْ عَنْ قَوْلِكَ وَفِعْلِكَ ، وَارْجِعْ إِلَى الْحَقِّ امْتَنَعَ وَأَبَى ، وَأَخَذَتْهُ الْحَمِيَّةُ وَالْغَضَبُ بِالْإِثْمِ ، أَيْ : بِسَبَبِ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنَ الْآثَامِ ، وَهَذِهِ الْآيَةُ شَبِيهَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : ( وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) [ الْحَجِّ : 72 ] ، وَلِهَذَا قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ : ( فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ ) أَيْ : هِيَ كَافِيَتُهُ عُقُوبَةً فِي ذَلِكَ
وَقَوْلُهُ : ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ ) لَمَّا أَخْبَرَ عَنِ الْمُنَافِقِينَ بِصِفَاتِهِمُ الذَّمِيمَةِ ، ذَكَرَ صِفَاتِ الْمُؤْمِنِينَ الْحَمِيدَةَ ، فَقَالَ : ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ )
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ، وَأَنَسٌ ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ ، وَأَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ ، وَعِكْرِمَةُ ، وَجَمَاعَةٌ : نَزَلَتْ فِي صُهَيْبِ بْنِ سِنَانٍ الرُّومِيِّ ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا أَسْلَمَ بِمَكَّةَ وَأَرَادَ الْهِجْرَةَ ، مَنَعَهُ النَّاسُ أَنْ يُهَاجِرَ بِمَالِهِ ، وَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَتَجَرَّدَ مِنْهُ وَيُهَاجِرَ ، فَعَلَ . فَتَخَلَّصَ مِنْهُمْ وَأَعْطَاهُمْ مَالَهُ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ هَذِهِ الْآيَةَ ، فَتَلَقَّاهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَجَمَاعَةٌ إِلَى طَرَفِ الْحَرَّةِ . فَقَالُوا : رَبِحَ الْبَيْعُ . فَقَالَ : وَأَنْتُمْ فَلَا أَخْسَرَ اللَّهُ تِجَارَتَكُمْ ، وَمَا ذَاكَ ؟ فَأَخْبَرُوهُ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ فِيهِ هَذِهِ الْآيَةَ . وَيُرْوَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ : " رَبِحَ الْبَيْعُ صُهَيْبُ ، رَبِحَ الْبَيْعُ صُهَيْبُ " .
قَالَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رُسْتَهْ ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيُّ ، حَدَّثَنَا عَوْفٌ ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ ، عَنْ صُهَيْبٍ قَالَ : لَمَّا أَرَدْتُ الْهِجْرَةَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ لِي قُرَيْشٌ : يَا صُهَيْبُ ، قَدِمْتَ إِلَيْنَا وَلَا مَالَ لَكَ ، [ ص: 565 ] وَتَخْرُجُ أَنْتَ وَمَالُكَ ! وَاللَّهِ لَا يَكُونُ ذَلِكَ أَبَدًا . فَقُلْتُ لَهُمْ : أَرَأَيْتُمْ إِنْ دَفَعْتُ إِلَيْكُمْ مَالِي تُخَلُّونَ عَنِّي ؟ قَالُوا : نَعَمْ . فَدَفَعْتُ إِلَيْهِمْ مَالِي ، فَخَلَّوْا عَنِّي ، فَخَرَجْتُ حَتَّى قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ . فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : " رَبِحَ صُهَيْبٌ ، رَبِحَ صُهَيْبٌ " مَرَّتَيْنِ .
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ : أَقْبَلَ صُهَيْبٌ مُهَاجِرًا نَحْوَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاتَّبَعَهُ نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ ، فَنَزَلَ عَنْ رَاحِلَتِهِ ، وَانْتَثَلَ مَا فِي كِنَانَتِهِ . ثُمَّ قَالَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، قَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي مِنْ أَرْمَاكُمْ رَجُلًا ، وَأَنْتُمْ وَاللَّهِ لَا تَصِلُونَ إِلِيَّ حَتَّى أَرْمِيَ كُلَّ سَهْمٍ فِي كِنَانَتِي ، ثُمَّ أَضْرِبَ بِسَيْفِي مَا بَقِيَ فِي يَدِي مِنْهُ شَيْءٌ ، ثُمَّ افْعَلُوا مَا شِئْتُمْ ، وَإِنْ شِئْتُمْ دَلَلْتُكُمْ عَلَى مَالِي وَقُنْيَتِي بِمَكَّةَ وَخَلَّيْتُمْ سَبِيلِي ؟ قَالُوا : نَعَمْ . فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " رَبِحَ الْبَيْعُ ، رَبِحَ الْبَيْعُ " . قَالَ : وَنَزَلَتْ : ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ )
وَأَمَّا الْأَكْثَرُونَ فَحَمَلُوا ذَلِكَ عَلَى أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي كُلِّ مُجَاهِدٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : ( إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) [ التَّوْبَةِ : 111 ] . وَلَمَّا حُمِلَ هِشَامُ بْنُ عَامِرٍ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ ، أَنْكَرَ عَلَيْهِ بَعْضُ النَّاسِ ، فَرَدَّ عَلَيْهِمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَغَيْرُهُمَا ، وَتَلَوْا هَذِهِ الْآيَةَ : ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ )
130
( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ( 208 ) فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ( 209 ) )

يَقُولُ تَعَالَى آمِرًا عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ الْمُصَدِّقِينَ بِرَسُولِهِ : أَنْ يَأْخُذُوا بِجَمِيعِ عُرَى الْإِسْلَامِ وَشَرَائِعِهِ ، وَالْعَمَلِ بِجَمِيعِ أَوَامِرِهِ ، وَتَرْكِ جَمِيعِ زَوَاجِرِهِ مَا اسْتَطَاعُوا مِنْ ذَلِكَ .
قَالَ الْعَوْفِيُّ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَمُجَاهِدٍ ، وَطَاوُسٍ ، وَالضَّحَّاكِ ، وَعِكْرِمَةَ ، وَقَتَادَةَ ، وَالسُّدِّيِّ ، وَابْنِ زَيْدٍ ، فِي قَوْلِهِ : ( ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ ) يَعْنِي : الْإِسْلَامُ .
وَقَالَ الضَّحَّاكُ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَأَبُو الْعَالِيَةِ ، وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ : ( ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ ) يَعْنِي : الطَّاعَةُ . وَقَالَ قَتَادَةُ أَيْضًا : الْمُوَادَعَةُ .
وَقَوْلُهُ : ( كَافَّةً ) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ، وَمُجَاهِدٌ ، وَأَبُو الْعَالِيَةِ ، وَعِكْرِمَةُ ، وَالرَّبِيعُ ، وَالسُّدِّيُّ ، وَمُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ ، وَقَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ : جَمِيعًا ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ : أَيِ اعْمَلُوا بِجَمِيعِ الْأَعْمَالِ وَوُجُوهِ الْبِرِّ .
وَزَعَمَ عِكْرِمَةُ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي نَفَرٍ مِمَّنْ أَسْلَمَ مِنَ الْيَهُودِ وَغَيْرِهِمْ ، كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ ، وَثَعْلَبَةَ وَأَسَدِ [ ص: 566 ] بْنِ عُبَيْدٍ وَطَائِفَةٍ اسْتَأْذَنُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَنْ يُسْبِتُوا ، وَأَنْ يَقُومُوا بِالتَّوْرَاةِ لَيْلًا . فَأَمَرَهُمُ اللَّهُ بِإِقَامَةِ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ وَالِاشْتِغَالِ بِهَا عَمَّا عَدَاهَا . وَفِي ذِكْرِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ مَعَ هَؤُلَاءِ نَظَرٌ ، إِذْ يَبْعُدُ أَنْ يَسْتَأْذِنَ فِي إِقَامَةِ السَّبْتِ ، وَهُوَ مَعَ تَمَامِ إِيمَانِهِ يَتَحَقَّقُ نَسْخَهُ وَرَفْعَهُ وَبُطْلَانَهُ ، وَالتَّعْوِيضَ عَنْهُ بِأَعْيَادِ الْإِسْلَامِ .
وَمِنَ الْمُفَسِّرِينَ مَنْ يَجْعَلُ قَوْلَهُ : ( كَافَّةً ) حَالًا مِنَ الدَّاخِلِينَ ، أَيِ : ادْخُلُوا فِي الْإِسْلَامِ كُلُّكُمْ . وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ ، وَهُوَ أَنَّهُمْ أُمِرُوا [ كُلُّهُمْ ] أَنْ يَعْمَلُوا بِجَمِيعِ شُعَبِ الْإِيمَانِ وَشَرَائِعِ الْإِسْلَامِ ، وَهِيَ كَثِيرَةٌ جِدًّا مَا اسْتَطَاعُوا مِنْهَا . وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ : أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الصَّبَّاحِ ، أَخْبَرَنِي الْهَيْثَمُ بْنُ يَمَانٍ ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّا ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَوْنٍ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً ) كَذَا قَرَأَهَا بِالنَّصْبِ يَعْنِي مُؤْمِنِي أَهْلِ الْكِتَابِ ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا مَعَ الْإِيمَانِ بِالْلَّهِ مُسْتَمْسِكِينَ بِبَعْضِ أَمْرِ التَّوْرَاةِ وَالشَّرَائِعِ التِي أُنْزِلَتْ فِيهِمْ ، فَقَالَ اللَّهُ : ( ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً ) يَقُولُ : ادْخُلُوا فِي شَرَائِعِ دِينِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا تَدَعُوا مِنْهَا شَيْئًا وَحَسْبُكُمْ بِالْإِيمَانِ بِالتَّوْرَاةِ وَمَا فِيهَا .
وَقَوْلُهُ : ( وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ) أَيِ : اعْمَلُوا الطَّاعَاتِ ، وَاجْتَنِبُوا مَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ الشَّيْطَانُ فَ ( إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) [ الْبَقَرَةِ : 169 ] ، وَ ( إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ) [ فَاطِرٍ : 6 ] ; وَلِهَذَا قَالَ : ( إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ( قَالَ مُطَرِّفٌ : أَغَشُّ عِبَادِ اللَّهِ لِعَبِيدِ اللَّهِ الشَّيْطَانُ .
وَقَوْلُهُ : ( فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ ) أَيْ : عَدَلْتُمْ عَنِ الْحَقِّ بَعْدَ مَا قَامَتْ عَلَيْكُمُ الْحُجَجُ ، فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ [ أَيْ ] فِي انْتِقَامِهِ ، لَا يَفُوتُهُ هَارِبٌ ، وَلَا يَغْلِبُهُ غَالِبٌ . حَكِيمٌ فِي أَحْكَامِهِ وَنَقْضِهِ وَإِبْرَامِهِ ; وَلِهَذَا قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ وَقَتَادَةُ وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ : عَزِيزٌ فِي نِقْمَتِهِ ، حَكِيمٌ فِي أَمْرِهِ . وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ : الْعَزِيزُ فِي نَصْرِهِ مِمَّنْ كَفَرَ بِهِ إِذَا شَاءَ ، الْحَكِيمُ فِي عُذْرِهِ وَحُجَّتِهِ إِلَى عِبَادِهِ .
131
( هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ( 210 ) )

يَقُولُ تَعَالَى مُهَدِّدًا لِلْكَافِرِينَ بِمُحَمَّدٍ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ : ( هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ ) يَعْنِي : يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، لِفَصْلِ الْقَضَاءِ بَيْنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ ، فَيَجْزِي كُلَّ عَامِلٍ بِعَمَلِهِ ، إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ ، وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ ، وَلِهَذَا قَالَ : ( وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ) كَمَا قَالَ : ( كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى ) [ الْفَجْرِ : 21 23 ] ، وَقَالَ : ( هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ ) الْآيَةَ [ الْأَنْعَامِ : 158 ][ ص: 567 ]
وَقَدْ ذَكَرَ الْإِمَامُ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ هَاهُنَا حَدِيثَ الصُّورِ بِطُولِهِ مِنْ أَوَّلِهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَهُوَ حَدِيثٌ مَشْهُورٌ سَاقَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ الْمَسَانِيدِ وَغَيْرِهِمْ ، وَفِيهِ : " أَنَّ النَّاسَ إِذَا اهْتَمُّوا لِمَوْقِفِهِمْ فِي الْعَرَصَاتِ تَشَفَّعُوا إِلَى رَبِّهِمْ بِالْأَنْبِيَاءِ وَاحِدًا وَاحِدًا ، مِنْ آدَمَ فَمَنْ بَعْدَهُ ، فَكُلُّهُمْ يَحِيدُ عَنْهَا حَتَّى يَنْتَهُوا إِلَى مُحَمَّدٍ ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ ، فَإِذَا جَاءُوا إِلَيْهِ قَالَ : أَنَا لَهَا ، أَنَا لَهَا . فَيَذْهَبُ فَيَسْجُدُ لِلَّهِ تَحْتَ الْعَرْشِ ، وَيَشْفَعُ عِنْدَ اللَّهِ فِي أَنْ يَأْتِيَ لِفَصْلِ الْقَضَاءِ بَيْنَ الْعِبَادِ ، فَيُشَفِّعُهُ اللَّهُ ، وَيَأْتِي فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ بَعْدَ مَا تَنْشَقُّ السَّمَاءُ الدُّنْيَا ، وَيَنْزِلُ مَنْ فِيهَا مِنَ الْمَلَائِكَةِ ، ثُمَّ الثَّانِيَةُ ، ثُمَّ الثَّالِثَةُ إِلَى السَّابِعَةِ ، وَيَنْزِلُ حَمَلَةُ الْعَرْشِ وَالْكَرُوبِيُّونَ ، قَالَ : وَيَنْزِلُ الْجَبَّارُ ، عَزَّ وَجَلَّ ، فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ ، وَلَهُمْ زَجَلٌ مِنْ تَسْبِيحِهِمْ يَقُولُونَ : سُبْحَانَ ذِي الْمُلْكِ وَالْمَلَكُوتِ ، سُبْحَانَ رَبِّ الْعَرْشِ ذِي الْجَبَرُوتِ ، سُبْحَانَ الْحَيِّ الذِي لَا يَمُوتُ ، سُبْحَانَ الذِي يُمِيتُ الْخَلَائِقَ وَلَا يَمُوتُ ، سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ ، رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ ، قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ ، سُبْحَانَ رَبِّنَا الْأَعْلَى ، سُبْحَانَ ذِي السُّلْطَانِ وَالْعَظْمَةِ ، سُبْحَانَهُ أَبَدًا أَبَدًا " .
وَقَدْ أَوْرَدَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدَوَيْهِ هَاهُنَا أَحَادِيثَ فِيهَا غَرَابَةٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ; فَمِنْهَا مَا رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، عَنْ مَسْرُوقٍ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " يَجْمَعُ اللَّهُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ ، قِيَامًا شَاخِصَةً أَبْصَارُهُمْ إِلَى السَّمَاءِ ، يَنْتَظِرُونَ فَصْلَ الْقَضَاءِ ، وَيَنْزِلُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ مِنَ الْعَرْشِ إِلَى الْكُرْسِيِّ " .
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ : حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَطَاءِ بْنِ مُقَدَّمٍ ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، سَمِعْتُ عَبْدَ الْجَلِيلِ الْقَيْسِيَّ ، يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو : ( هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ ) الْآيَةَ ، قَالَ : يَهْبِطُ حِينَ يَهْبِطُ ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ خَلْقِهِ سَبْعُونَ أَلْفَ حِجَابٍ ، مِنْهَا : النُّورُ ، وَالظُّلْمَةُ ، وَالْمَاءُ . فَيُصَوِّتُ الْمَاءُ فِي تِلْكَ الظُّلْمَةِ صَوْتًا تَنْخَلِعُ لَهُ الْقُلُوبُ .
قَالَ : وَحَدَّثَنَا أَبِي : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْوَزِيرِ الدِّمَشْقِيُّ ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ قَالَ : سَأَلْتُ زُهَيْرَ بْنَ مُحَمَّدٍ ، عَنْ قَوْلِ اللَّهِ : ( هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ ) قَالَ : ظُلَلٌ مِنَ الْغَمَامِ ، مَنْظُومٌ مِنَ الْيَاقُوتِ مُكَلَّلٌ بِالْجَوْهَرِ وَالزَّبَرْجَدِ .
وَقَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ( فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ ) قَالَ : هُوَ غَيْرُ السَّحَابِ ، وَلَمْ يَكُنْ قَطُّ إِلَّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ فِي تِيهِهِمْ حِينَ تَاهُوا
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ : ( هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ )[ ص: 568 ][ قَالَ ] : يَقُولُ : وَالْمَلَائِكَةُ يَجِيئُونَ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ ، وَاللَّهُ تَعَالَى يَجِيءُ فِيمَا يَشَاءُ وَهِيَ فِي بَعْضِ الْقِرَاءَةِ : " هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ وَالْمَلَائِكَةُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ " وَهِيَ كَقَوْلِهِ : ( وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا ) [ الْفُرْقَانِ : 25 ] .
132
( سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ( 211 ) زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ( 212 ) )

يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ : كَمْ قَدْ شَاهَدُوا مَعَ مُوسَى ( مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ ) أَيْ : حُجَّةٌ قَاطِعَةٌ عَلَى صِدْقِهِ فِيمَا جَاءَهُمْ بِهِ ، كَيَدِهِ وَعَصَاهُ وَفَلْقِهِ الْبَحْرَ وَضَرْبِهِ الْحَجَرَ ، وَمَا كَانَ مِنْ تَظْلِيلِ الْغَمَامِ عَلَيْهِمْ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ ، وَمِنْ إِنْزَالِ الْمَنِّ وَالسَّلْوَى وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الدَّالَّاتِ عَلَى وُجُودِ الْفَاعِلِ الْمُخْتَارِ ، وَصِدْقِ مَنْ جَرَتْ هَذِهِ الْخَوَارِقُ عَلَى يَدَيْهِ ، وَمَعَ هَذَا أَعْرَضَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ عَنْهَا ، وَبَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ [ كُفْرًا ] أَيِ : اسْتَبْدَلُوا بِالْإِيمَانِ بِهَا الْكُفْرَ بِهَا ، وَالْإِعْرَاضَ عَنْهَا . ( وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) كَمَا قَالَ إِخْبَارًا عَنْ كُفَّارِ قُرَيْشٍ : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ ) [ إِبْرَاهِيمَ : 28 ، 29 ] .
ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى عَنْ تَزْيِينِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا لِلْكَافِرِينَ الَّذِينَ رَضُوا بِهَا وَاطْمَأَنُّوا إِلَيْهَا ، وَجَمَعُوا الْأَمْوَالَ وَمَنَعُوهَا عَنْ مَصَارِفِهَا التِي أُمِرُوا بِهَا مِمَّا يُرْضِي اللَّهَ عَنْهُمْ ، وَسَخِرُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ أَعْرَضُوا عَنْهَا ، وَأَنْفَقُوا مَا حَصَلَ لَهُمْ مِنْهَا فِي طَاعَةِ رَبِّهِمْ ، وَبَذَلُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ ; فَلِهَذَا فَازُوا بِالْمَقَامِ الْأَسْعَدِ وَالْحَظِّ الْأَوْفَرِ يَوْمَ مَعَادِهِمْ ، فَكَانُوا فَوْقَ أُولَئِكَ فِي مَحْشَرِهِمْ وَمَنْشَرِهِمْ ، وَمَسِيرِهِمْ وَمَأْوَاهُمْ ، فَاسْتَقَرُّوا فِي الدَّرَجَاتِ فِي أَعْلَى عِلِّيِّينَ ، وَخُلِّدَ أُولَئِكَ فِي الدَّرَكَاتِ فِي أَسْفَلِ السَّافِلِينَ ; وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى : ( وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) أَيْ : يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ مِنْ خَلْقِهِ ، وَيُعْطِيهِ عَطَاءً كَثِيرًا جَزِيلًا بِلَا حَصْرٍ وَلَا تَعْدَادٍ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ : " ابْنَ آدَمَ ، أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ " ، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَنْفِقْ بِلَالُ وَلَا تَخْشَ مِنْ ذِي الْعَرْشِ إِقْلَالَا " . وَقَالَ تَعَالَى : ( وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ ) [ سَبَأٍ : 39 ] ، وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّ مَلَكَيْنِ يَنْزِلَانِ مِنَ السَّمَاءِ صَبِيحَةَ كُلِّ يَوْمٍ ، يَقُولُ أَحَدُهُمَا : اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا . وَيَقُولُ الْآخَرُ : اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا . وَفِي الصَّحِيحِ " يَقُولُ [ ص: 569 ] ابْنُ آدَمَ : مَالِي ، مَالِي ! وَهَلْ لَكَ مِنْ مَالِكَ إِلَّا مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ ، وَمَا لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ ، وَمَا تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ ؟ وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَذَاهِبٌ وَتَارِكُهُ لِلنَّاسِ " .
وَفِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " الدُّنْيَا دَارُ مَنْ لَا دَارَ لَهُ ، وَمَالُ مَنْ لَا مَالَ لَهُ ، وَلَهَا يَجْمَعُ مَنْ لَا عَقْلَ لَهُ " .
133
( كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ( 213 ) )

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ ، أَخْبَرَنَا هَمَّامٌ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : كَانَ بَيْنَ نُوحٍ وَآدَمَ عَشَرَةُ قُرُونٍ ، كُلُّهُمْ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْحَقِّ . فَاخْتَلَفُوا ، فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ . قَالَ : وَكَذَلِكَ هِيَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ : " كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا " .
وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ ، مِنْ حَدِيثِ بُنْدَارٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ . ثُمَّ قَالَ : صَحِيحٌ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ .
وَكَذَا رَوَى أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ : أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا : " كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّيِّنَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ " .
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ : أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ : ( كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً ) قَالَ : كَانُوا عَلَى الْهُدَى جَمِيعًا ، " فَاخْتَلَفُوا فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ مُنْذِرِينَ " فَكَانَ أَوَّلُ نَبِيٍّ بُعِثَ نُوحًا . وَهَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ ، كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَوَّلًا .
وَقَالَ الْعَوْفِيُّ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : ( كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً ) يَقُولُ : كَانُوا كُفَّارًا ، ( فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ )
وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَصَحُّ سَنَدًا وَمَعْنًى ; لِأَنَّ النَّاسَ كَانُوا عَلَى مِلَّةِ آدَمَ ، عَلَيْهِ السَّلَامُ ، حَتَّى عَبَدُوا الْأَصْنَامَ ، فَبَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِمْ نُوحًا ، عَلَيْهِ السَّلَامُ ، فَكَانَ أَوَّلَ رَسُولٍ بَعَثَهُ اللَّهُ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ .
وَلِهَذَا قَالَ : ( وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ) [ ص: 570 ]
أَيْ : مِنْ بَعْدِ مَا قَامَتْ عَلَيْهِمُ الْحُجَجُ وَمَا حَمَلَهُمْ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا الْبَغْيُ مِنْ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ ، ( فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ )
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ : حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ ، عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَعْمَشِ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قَوْلِهِ : ( فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ ) قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " نَحْنُ الْآخِرُونَ الْأَوَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، نَحْنُ أَوَّلُ النَّاسِ دُخُولًا الْجَنَّةَ ، بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلَنَا وَأُوتِينَاهُ مِنْ بَعْدِهِمْ ، فَهَدَانَا اللَّهُ لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ ، فَهَذَا الْيَوْمُ الذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ ، فَهَدَانَا لَهُ فَالنَّاسُ لَنَا فِيهِ تَبَعٌ ، فَغَدًا لِلْيَهُودِ ، وَبَعْدَ غَدٍ لِلنَّصَارَى " .
ثُمَّ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ .
وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، عَنْ أَبِيهِ فِي قَوْلِهِ : ( فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ ) فَاخْتَلَفُوا فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ ، فَاتَّخَذَ الْيَهُودُ يَوْمَ السَّبْتِ ، وَالنَّصَارَى يَوْمَ الْأَحَدِ . فَهَدَى اللَّهُ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ . وَاخْتَلَفُوا فِي الْقِبْلَةِ ; فَاسْتَقْبَلَتِ النَّصَارَى الْمَشْرِقَ ، وَالْيَهُودُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ ، فَهَدَى اللَّهُ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ لِلْقِبْلَةِ . وَاخْتَلَفُوا فِي الصَّلَاةِ ; فَمِنْهُمْ مَنْ يَرْكَعُ وَلَا يَسْجُدُ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْجُدُ وَلَا يَرْكَعُ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُصَلِّي وَهُوَ يَتَكَلَّمُ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُصَلِّي وَهُوَ يَمْشِي ، فَهَدَى اللَّهُ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ لِلْحَقِّ مِنْ ذَلِكَ . وَاخْتَلَفُوا فِي الصِّيَامِ ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَصُومُ بَعْضَ النَّهَارِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَصُومُ عَنْ بَعْضِ الطَّعَامِ ، فَهَدَى اللَّهُ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ لِلْحَقِّ مِنْ ذَلِكَ . وَاخْتَلَفُوا فِي إِبْرَاهِيمَ ، عَلَيْهِ السَّلَامُ ، فَقَالَتِ الْيَهُودُ : كَانَ يَهُودِيًّا ، وَقَالَتِ النَّصَارَى : كَانَ نَصْرَانِيًّا ، وَجَعَلَهُ اللَّهُ حَنِيفًا مُسْلِمًا ، فَهَدَى اللَّهُ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ لِلْحَقِّ مِنْ ذَلِكَ . وَاخْتَلَفُوا فِي عِيسَى ، عَلَيْهِ السَّلَامُ ، فَكَذَّبَتْ بِهِ الْيَهُودُ ، وَقَالُوا لِأُمِّهِ بُهْتَانًا عَظِيمًا ، وَجَعَلَتْهُ النَّصَارَى إِلَهًا وَوَلَدًا ، وَجَعَلَهُ اللَّهُ رُوحَهُ ، وَكَلِمَتُهُ ، فَهَدَى اللَّهُ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْحَقِّ مِنْ ذَلِكَ .
وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ فِي قَوْلِهِ : ( فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ ) أَيْ : عِنْدَ الِاخْتِلَافِ أَنَّهُمْ كَانُوا عَلَى مَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ قَبْلَ الِاخْتِلَافِ ، أَقَامُوا عَلَى الْإِخْلَاصِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَحْدَهُ ، وَعِبَادَتِهِ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ، فَأَقَامُوا عَلَى الْأَمْرِ الْأَوَّلِ الذِي كَانَ قَبْلَ الِاخْتِلَافِ ، وَاعْتَزَلُوا الِاخْتِلَافَ ، وَكَانُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُهُودًا عَلَى قَوْمِ نُوحٍ ، وَقَوْمِ هُودٍ ، وَقَوْمِ صَالِحٍ ، وَقَوْمِ شُعَيْبٍ ، وَآلِ فِرْعَوْنَ ، أَنَّ رُسُلَهُمْ قَدْ بَلَّغُوهُمْ ، وَأَنَّهُمْ قَدْ كَذَّبُوا رُسُلَهُمْ .
وَفِي قِرَاءَةِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ : " وَلِيَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ " ، وَكَانَ أَبُو الْعَالِيَةِ يَقُولُ : فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْمَخْرَجُ مِنَ الشُّبَهَاتِ وَالضَّلَالَاتِ وَالْفِتَنِ .
وَقَوْلُهُ : ( بِإِذْنِهِ ) أَيْ : بِعِلْمِهِ ، بِمَا هَدَاهُمْ لَهُ . قَالَهُ ابْنُ جَرِيرٍ : ( وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ) أَيْ : مِنْ [ ص: 571 ] خَلْقِهِ ( إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) أَيْ : وَلَهُ الْحُكْمُ وَالْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ . وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يُصَلِّي يَقُولُ : " اللَّهُمَّ ، رَبَّ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ ، فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ، اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ ، إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ " . وَفِي الدُّعَاءِ الْمَأْثُورِ : اللَّهُمَّ ، أَرِنَا الْحَقَّ حَقًّا وَارْزُقْنَا اتِّبَاعَهُ ، وَأَرِنَا الْبَاطِلَ بَاطِلًا وَوَفِّقْنَا لِاجْتِنَابِهِ ، وَلَا تَجْعَلْهُ مُلْتَبِسًا عَلَيْنَا فَنَضِلَّ ، وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا .
134
( أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ( 214 ) )

يَقُولُ تَعَالَى : ( أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ ) قَبْلَ أَنْ تُبْتَلُوا وَتُخْتَبَرُوا وَتُمْتَحَنُوا ، كَمَا فُعِلِ بِالَّذِينِ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْأُمَمِ ; وَلِهَذَا قَالَ : ( وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ ) وَهِيَ : الْأَمْرَاضُ ; وَالْأَسْقَامُ ، وَالْآلَامُ ، وَالْمَصَائِبُ وَالنَّوَائِبُ .
قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ ، وَابْنُ عَبَّاسٍ ، وَأَبُو الْعَالِيَةِ ، وَمُجَاهِدٌ ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ ، وَمُرَّةُ الْهَمْدَانِيُّ ، وَالْحَسَنُ ، وَقَتَادَةُ ، وَالضَّحَّاكُ ، وَالرَّبِيعُ ، وَالسُّدِّيُّ ، وَمُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ : ( الْبَأْسَاءُ ) الْفَقْرُ . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : ( وَالضَّرَّاءُ ) السَّقَمُ .
( وَزُلْزِلُوا ) خَوْفًا مِنَ الْأَعْدَاءِ زِلْزَالًا شَدِيدًا ، وَامْتُحِنُوا امْتِحَانًا عَظِيمًا ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ قَالَ : قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَلَا تَسْتَنْصِرُ لَنَا ؟ أَلَا تَدْعُو اللَّهَ لَنَا ؟ فَقَالَ : " إِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانَ أَحَدُهُمْ يُوضَعُ الْمِنْشَارُ عَلَى مِفْرَقِ رَأْسِهِ فَيَخْلُصُ إِلَى قَدَمَيْهِ ، لَا يَصْرِفُهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ ، وَيُمْشَّطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا بَيْنَ لَحْمِهِ وَعَظْمِهِ ، لَا يَصْرِفُهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ " . ثُمَّ قَالَ : " وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ اللَّهُ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لَا يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ ، وَلَكِنَّكُمْ قَوْمٌ تَسْتَعْجِلُونَ " .
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : ( الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ) [ الْعَنْكَبُوتِ : 1 3 ] .
وَقَدْ حَصَلَ مِنْ هَذَا جَانِبٌ عَظِيمٌ لِلصَّحَابَةِ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، فِي يَوْمِ الْأَحْزَابِ ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : ( إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِالْلَّهِ الظُّنُونَا هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا ) [ ص: 572 ] الْآيَاتِ [ الْأَحْزَابِ : 10 - 12 ] .
وَلَمَّا سَأَلَ هِرَقْلُ أَبَا سُفْيَانَ : هَلْ قَاتَلْتُمُوهُ ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : فَكَيْفَ كَانَ الْحَرْبُ بَيْنَكُمْ ؟ قَالَ : سِجَالًا يُدَالُ عَلَيْنَا وَنُدَالُ عَلَيْهِ . قَالَ : كَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْتَلَى ، ثُمَّ تَكُونُ لَهَا الْعَاقِبَةُ .
وَقَوْلُهُ:(مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ ) أَيْ : سُنَّتُهُمُ . كَمَا قَالَ تَعَالَى:(فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشًا وَمَضَى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ )[الزُّخْرُفِ : 8 ] .
وَقَوْلُهُ : ( وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ ) أَيْ : يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى أَعْدَائِهِمْ ، وَيَدْعُونَ بِقُرْبِ الْفَرَجِ وَالْمَخْرَجِ ، عِنْدَ ضِيقِ الْحَالِ وَالشِّدَّةِ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : ( أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ) كَمَا قَالَ : ( فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ) [ الشَّرْحِ : 5 ، 6 ] .
وَكَمَا تَكُونُ الشِّدَّةُ يَنْزِلُ مِنَ النَّصْرِ مِثْلُهَا ; وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى : ( أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ) وَفِي حَدِيثِ أَبِي رَزِينٍ : " عَجِبَ رَبُّكَ مِنْ قُنُوطِ عِبَادِهِ ، وَقُرْبِ غَيْثِهِ فَيَنْظُرُ إِلَيْهِمْ قَنِطِينَ ، فَيَظَلُّ يَضْحَكُ ، يَعْلَمُ أَنَّ فَرَجَهُمْ قَرِيبٌ " الْحَدِيثَ .
135
( يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ( 215 ) )

قَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ : هَذِهِ الْآيَةُ فِي نَفَقَةِ التَّطَوُّعِ . وَقَالَ السُّدِّيُّ : نَسَخَتْهَا الزَّكَاةُ . وَفِيهِ نَظَرٌ . وَمَعْنَى الْآيَةِ : يَسْأَلُونَكَ كَيْفَ يُنْفِقُونَ ؟ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ ، فَبَيَّنَ لَهُمْ تَعَالَى ذَلِكَ ، فَقَالَ : ( قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ) أَيِ : اصْرِفُوهَا فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ . كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ : " أُمَّكَ وَأَبَاكَ ، وَأُخْتَكَ وَأَخَاكَ ، ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ " . وَتَلَا مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ هَذِهِ الْآيَةَ ، ثُمَّ قَالَ : هَذِهِ مَوَاضِعُ النَّفَقَةِ مَا ذَكَرَ فِيهَا طَبْلًا وَلَا مِزْمَارًا ، وَلَا تَصَاوِيرَ الْخَشَبِ ، وَلَا كِسْوَةَ الْحِيطَانِ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : ( وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ) أَيْ : مَهْمَا صَدَرَ مِنْكُمْ مِنْ فِعْلِ مَعْرُوفٍ ، فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ ، وَسَيَجْزِيكُمْ عَلَى ذَلِكَ أَوْفَرَ الْجَزَاءِ ; فَإِنَّهُ لَا يَظْلِمُ أَحَدًا مِثْقَالَ ذَرَّةٍ .
136
( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ( 216 ) )

هَذَا إِيجَابٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِلْجِهَادِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ : أَنْ يَكُفُّوا شَرَّ الْأَعْدَاءِ عَنْ حَوْزَةِ الْإِسْلَامِ . [ ص: 573 ]
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ : الْجِهَادُ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ ، غَزَا أَوْ قَعَدَ ; فَالْقَاعِدُ عَلَيْهِ إِذَا اسْتُعِينَ أَنْ يُعِينَ ، وَإِذَا اسْتُغِيثَ أَنْ يُغِيثَ ، وَإِذَا اسْتُنْفِرَ أَنْ يَنْفِرَ ، وَإِنْ لَمْ يُحْتَجْ إِلَيْهِ قَعَدَ .
قُلْتُ : وَلِهَذَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ " مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ ، وَلَمْ يُحَدِّثْ نَفْسَهُ بِغَزْوٍ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً " . وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَوْمَ الْفَتْحِ : " لَا هِجْرَةَ ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ ، إِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا " .
وَقَوْلُهُ : ( وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ ) أَيْ : شَدِيدٌ عَلَيْكُمْ وَمَشَقَّةٌ . وَهُوَ كَذَلِكَ ، فَإِنَّهُ إِمَّا أَنْ يُقْتَلَ أَوْ يُجْرَحَ مَعَ مَشَقَّةِ السَّفَرِ وَمُجَالَدَةِ الْأَعْدَاءِ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : ( وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ) أَيْ : لِأَنَّ الْقِتَالَ يَعْقُبُهُ النَّصْرُ وَالظَّفَرُ عَلَى الْأَعْدَاءِ ، وَالِاسْتِيلَاءُ عَلَى بِلَادِهِمْ ، وَأَمْوَالِهِمْ ، وَذَرَارِيِّهِمْ ، وَأَوْلَادِهِمْ .
( وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ ) وَهَذَا عَامٌّ فِي الْأُمُورِ كُلِّهَا ، قَدْ يُحِبُّ الْمَرْءُ شَيْئًا ، وَلَيْسَ لَهُ فِيهِ خِيَرَةٌ وَلَا مَصْلَحَةٌ . وَمِنْ ذَلِكَ الْقُعُودُ عَنِ الْقِتَالِ ، قَدْ يَعْقُبُهُ اسْتِيلَاءُ الْعَدُوِّ عَلَى الْبِلَادِ وَالْحُكْمِ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : ( وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) أَيْ : هُوَ أَعْلَمُ بِعَوَاقِبِ الْأُمُورِ مِنْكُمْ ، وَأَخْبَرُ بِمَا فِيهِ صَلَاحُكُمْ فِي دُنْيَاكُمْ وَأُخْرَاكُمْ ; فَاسْتَجِيبُوا لَهُ ، وَانْقَادُوا لِأَمْرِهِ ، لَعَلَّكُمْ تَرْشُدُونَ .
137
( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ( 217 ) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ( 218 )

قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ : حَدَّثَنَا أَبِي ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدِّمِيُّ ، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، عَنْ أَبِيهِ ، حَدَّثَنِي الْحَضْرَمِيُّ ، عَنْ أَبِي السَّوَّارِ ، عَنْ جُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ رَهْطًا ، وَبَعَثَ عَلَيْهِمْ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ [ أَوْ عُبَيْدَةَ بْنَ الْحَارِثِ ] فَلَمَّا ذَهَبَ يَنْطَلِقُ ، بَكَى صَبَابَةً إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَجَلَسَ ، فَبَعَثَ عَلَيْهِمْ مَكَانَهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَحْشٍ ، وَكَتَبَ لَهُ كِتَابًا ، وَأَمَرَهُ أَلَّا يَقْرَأَ [ ص: 574 ] الْكِتَابَ حَتَّى يَبْلُغَ مَكَانَ كَذَا وَكَذَا ، وَقَالَ : لَا تُكْرِهَنَّ أَحَدًا عَلَى السَّيْرِ مَعَكَ مِنْ أَصْحَابِكَ . فَلَمَّا قَرَأَ الْكِتَابَ اسْتَرْجَعَ ، وَقَالَ : سَمْعًا وَطَاعَةً لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ . فَخَبَّرَهُمُ الْخَبَرَ ، وَقَرَأَ عَلَيْهِمُ الْكِتَابَ ، فَرَجَعَ رَجُلَانِ ، وَبَقِيَ بَقِيَّتُهُمْ ، فَلَقُوا ابْنَ الْحَضْرَمِيِّ فَقَتَلُوهُ ، وَلَمْ يَدْرُوا أَنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ مِنْ رَجَبٍ أَوْ مِنْ جُمَادَى . فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ لِلْمُسْلِمِينَ : قَتَلْتُمْ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ ! فَأَنْزَلَ اللَّهُ : ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ) الْآيَةَ .
وَقَالَ السُّدِّيُّ ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ ، وَعَنْ أَبِي صَالِحٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَنْ مُرَّةَ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ : ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ) وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ سَرِيَّةً ، وَكَانُوا سَبْعَةَ نَفَرٍ ، عَلَيْهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ الْأَسَدِيُّ ، وَفِيهِمْ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ ، وَأَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ ، وَعَتَبَةُ بْنُ غَزْوَانَ السُّلَمِيُّ حَلِيفٌ لِبَنِي نَوْفَلٍ وَسُهَيْلُ بْنُ بَيْضَاءَ ، وَعَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ ، وَوَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْيَرْبُوعِيُّ ، حَلِيفٌ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ . وَكَتَبَ لِابْنِ جَحْشٍ كِتَابًا ، وَأَمَرَهُ أَلَّا يَقْرَأَهُ حَتَّى يَنْزِلَ بَطْنَ مَلَلٍ فَلَمَّا نَزَلَ بَطْنَ مَلَلٍ فَتَحَ الْكِتَابَ ، فَإِذَا فِيهِ : أَنْ سِرْ حَتَّى تَنْزِلَ بَطْنَ نَخْلَةَ . فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ : مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْمَوْتَ فَلْيَمْضِ وَلْيُوصِ ، فَإِنَّنِي مُوصٍ وَمَاضٍ لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَسَارَ ، فَتَخَلَّفَ عَنْهُ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ ، وَعُتْبَةُ ، وَأَضَلَّا رَاحِلَةً لَهُمَا فَأَتَيَا بُحْرَانَ يَطْلُبَانِهَا ، وَسَارَ ابْنُ جَحْشٍ إِلَى بَطْنِ نَخْلَةَ ، فَإِذَا هُوَ بِالْحَكَمِ بْنِ كَيْسَانَ ، وَالْمُغِيرَةِ بْنِ عُثْمَانَ ، وَعَمْرِو بْنِ الْحَضْرَمِيِّ ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ . وَانْفَلَتَ [ ابْنُ ] الْمُغِيرَةِ ، [ فَأَسَرُوا الْحَكَمَ بْنَ كَيْسَانَ وَالْمُغِيرَةَ ] وَقُتِلَ عَمْرٌو ، قَتَلَهُ وَاقَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ . فَكَانَتْ أَوَّلَ غَنِيمَةٍ غَنِمَهَا أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى الْمَدِينَةِ بِالْأَسِيرَيْنِ وَمَا أَصَابُوا الْمَالَ ، أَرَادَ أَهْلُ مَكَّةَ أَنْ يُفَادُوا الْأَسِيرَيْنِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " حَتَّى نَنْظُرَ مَا فَعَلَ صَاحِبَانَا " فَلَمَّا رَجَعَ سَعْدٌ وَصَاحِبُهُ ، فَادَى بِالْأَسِيرَيْنِ ، فَفَجَرَ عَلَيْهِ الْمُشْرِكُونَ وَقَالُوا : إِنَّ مُحَمَّدًا يَزْعُمُ أَنَّهُ يَتْبَعُ طَاعَةَ اللَّهِ ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنِ اسْتَحَلَّ الشَّهْرَ الْحَرَامَ ، وَقَتَلَ صَاحِبَنَا فِي رَجَبٍ . فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ : إِنَّمَا قَتَلْنَاهُ فِي جُمَادَى وَقِيلَ : فِي أَوَّلِ رَجَبٍ ، وَآخِرِ لَيْلَةٍ مِنْ جُمَادَى وَغَمَدَ الْمُسْلِمُونَ سُيُوفَهُمْ حِينَ دَخَلَ شَهْرُ رَجَبٍ . فَأَنْزَلَ اللَّهُ يُعَيِّرُ أَهْلَ مَكَّةَ : ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ) لَا يَحِلُّ ، وَمَا صَنَعْتُمْ أَنْتُمْ يَا مَعْشَرَ الْمُشْرِكِينَ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ ، حِينَ كَفَرْتُمْ بِالْلَّهِ ، وَصَدَدْتُمْ عَنْهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ ، وَإِخْرَاجُ أَهْلِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مِنْهُ ، حِينَ أَخْرَجُوا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ عِنْدَ اللَّهِ .
وَقَالَ الْعَوْفِيُّ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ :(يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ) وَذَلِكَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ صَدُّوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَرَدُّوهُ عَنِ الْمَسْجِدِ [ الْحَرَامِ ] فِي شَهْرٍ حَرَامٍ ، فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ فِي شَهْرٍ حَرَامٍ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ . فَعَابَ الْمُشْرِكُونَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِتَالَ فِي شَهْرٍ حَرَامٍ . فَقَالَ اللَّهُ : ( وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ ) مِنَ الْقِتَالِ فِيهِ . وَأَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ سَرِيَّةً فَلَقُوا عَمْرَو بْنَ الْحَضْرَمِيِّ ، وَهُوَ مُقْبِلٌ مِنَ الطَّائِفِ فِي آخِرِ لَيْلَةٍ مِنْ جُمَادَى ، وَأَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ [ ص: 575 ] رَجَبٍ . وَأَنَّ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا يَظُنُّونَ أَنَّ تِلْكَ اللَّيْلَةَ مِنْ جُمَادَى ، وَكَانَتْ أَوَّلَ رَجَبٍ وَلَمْ يَشْعُرُوا ، فَقَتَلَهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ وَأَخَذُوا مَا كَانَ مَعَهُ . وَأَنَّ الْمُشْرِكِينَ أَرْسَلُوا يُعَيِّرُونَهُ بِذَلِكَ . فَقَالَ اللَّهُ : ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ) وَغَيْرُ ذَلِكَ أَكْبَرُ مِنْهُ : صَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ، وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ ، إِخْرَاجُ أَهْلِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَكْبَرُ مِنَ الذِي أَصَابَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَالشَّرَكُ أَشَدُّ مِنْهُ .
وَهَكَذَا رَوَى أَبُو سَعْدٍ الْبَقَّالُ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا أُنْزِلَتْ فِي سَرِيَّةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ ، وَقَتْلِ عَمْرِو بْنِ الْحَضْرَمِيِّ .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ السَّائِبِ الْكَلْبِيُّ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : نَزَلَ فِيمَا كَانَ مِنْ مُصَابِ عَمْرِو بْنِ الْحَضْرَمِيِّ : ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ ) إِلَى آخِرِ الْآيَةِ .
وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ هِشَامٍ رَاوِي السِّيرَةِ ، عَنْ زِيَادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَكَّائِيِّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ الْمَدَنِيِّ ، رَحِمَهُ اللَّهُ ، فِي كِتَابِ السِّيرَةِ لَهُ ، أَنَّهُ قَالَ : وَبَعَثَ يَعْنِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَحْشِ بْنِ رِئَابٍ الْأَسَدِيَّ فِي رَجَبٍ ، مَقْفَلَهُ مِنْ بَدْرٍ الْأُولَى ، وَبَعَثَ مَعَهُ ثَمَانِيَةَ رَهْطٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ ، لَيْسَ فِيهِمْ مِنَ الْأَنْصَارِ أَحَدٌ ، وَكَتَبَ لَهُ كِتَابًا ، وَأَمَرَهُ أَلَّا يَنْظُرَ فِيهِ حَتَّى يَسِيرَ يَوْمَيْنِ ثُمَّ يَنْظُرَ فِيهِ ، فَيَمْضِي لِمَا أَمَرَهُ بِهِ ، وَلَا يَسْتَكْرِهَ مِنْ أَصْحَابِهِ أَحَدًا . وَكَانَ أَصْحَابُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ . ثُمَّ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ : أَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ ، وَمِنْ حُلَفَائِهِمْ : عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ ، وَهُوَ أَمِيرُ الْقَوْمِ ، وَعُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنِ بْنِ حُرْثَانَ ، أَحَدُ بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ ، حَلِيفٌ لَهُمْ . وَمِنْ بَنِي نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ : عُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ بْنِ جَابِرٍ ، حَلِيفٌ لَهُمْ . وَمِنْ بَنِي زُهْرَةَ بْنِ كِلَابٍ : سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ . وَمِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ : عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ عَنْزِ بْنِ وَائِلٍ ، وَوَاقِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَرِينِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ يَرْبُوعٍ ، أَحَدُ بَنِي تَمِيمٍ ، حَلِيفٌ لَهُمْ . وَخَالِدُ بْنُ الْبُكَيْرِ أَحَدُ بَنِي سَعْدِ بْنِ لَيْثٍ ، حَلِيفٌ لَهُمْ . وَمِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ : سُهَيْلُ بْنُ بَيْضَاءَ .
فَلَمَّا سَارَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ يَوْمَيْنِ فَتَحَ الْكِتَابَ فَنَظَرَ فِيهِ فَإِذَا فِيهِ : " إِذَا نَظَرْتَ فِي كِتَابِي هَذَا فَامْضِ حَتَّى تَنْزِلَ نَخْلَةَ ، بَيْنَ مَكَّةَ وَالطَّائِفِ ، تَرْصُدَ بِهَا قُرَيْشًا ، وَتَعْلَمَ لَنَا مِنْ أَخْبَارِهِمْ " . فَلَمَّا نَظَرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ فِي الْكِتَابِ قَالَ : سَمْعًا وَطَاعَةً . ثُمَّ قَالَ لِأَصْحَابِهِ : قَدْ أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَمْضِيَ إِلَى نَخْلَةَ ، أَرْصُدُ بِهَا قُرَيْشًا ، حَتَّى آتِيَهُ مِنْهُمْ بِخَبَرٍ ، وَقَدْ نَهَانِي أَنْ أَسْتَكْرِهَ أَحَدًا مِنْكُمْ . فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُرِيدُ الشَّهَادَةَ وَيَرْغَبُ فِيهَا فَلْيَنْطَلِقْ ، وَمَنْ كَرِهَ ذَلِكَ فَلْيَرْجِعْ ، فَأَمَّا أَنَا فَمَاضٍ لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَمَضَى وَمَضَى مَعَهُ أَصْحَابُهُ لَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْهُ مِنْهُمْ أَحَدٌ . فَسَلَكَ عَلَى الْحِجَازِ ، حَتَّى إِذَا كَانَ بِمَعْدِنٍ ، فَوْقَ الْفُرْعِ ، يُقَالُ لَهُ : بُحْرَانَ أَضَلَّ سَعْدُ بْنُ [ ص: 576 ] أَبِي وَقَّاصٍ وَعُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ بَعِيرًا لَهُمَا ، كَانَا يَعْتَقِبَانِهِ ، فَتَخَلَّفَا عَلَيْهِ فِي طَلَبِهِ ، وَمَضَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ وَبَقِيَّةُ أَصْحَابِهِ حَتَّى نَزَلَ بِنَخْلَةَ ، فَمَرَّتْ بِهِ عِيرٌ لِقُرَيْشٍ تَحْمِلُ زَبِيبًا وَأُدْمًا وَتِجَارَةً مِنْ تِجَارَةِ قُرَيْشٍ ، فِيهَا : عَمْرُو بْنُ الْحَضْرَمِيِّ ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، وَأَخُوهُ نَوْفَلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَخْزُومِيَّانِ ، وَالْحَكَمُ بْنُ كَيْسَانَ ، مَوْلَى هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ .
فَلَمَّا رَآهُمُ الْقَوْمُ هَابُوهُمْ وَقَدْ نَزَلُوا قَرِيبًا مِنْهُمْ ، فَأَشْرَفَ لَهُمْ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ ، وَكَانَ قَدْ حَلَقَ رَأْسَهُ ، فَلَمَّا رَأَوْهُ أَمِنُوا وَقَالُوا : عُمَّارٌ ، لَا بَأْسَ عَلَيْكُمْ مِنْهُمْ . وَتَشَاوَرَ الْقَوْمُ فِيهِمْ ، وَذَلِكَ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَجَبٍ ، فَقَالَ الْقَوْمُ : وَاللَّهِ لَئِنْ تَرَكْتُمُ الْقَوْمَ هَذِهِ اللَّيْلَةَ لَيَدْخُلُنَّ الْحَرَمَ ، فَلَيَمْتَنِعُنَّ مِنْكُمْ بِهِ ، وَلَئِنْ قَتَلْتُمُوهُمْ لَتَقْتُلُنَّهُمْ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ . فَتَرَدَّدَ الْقَوْمُ ، وَهَابُوا الْإِقْدَامَ عَلَيْهِمْ ، ثُمَّ شَجَّعُوا أَنْفُسَهُمْ عَلَيْهِمْ ، وَأَجْمَعُوا عَلَى قَتْلِ مَنْ قَدَرُوا عَلَيْهِ مِنْهُمْ ، وَأَخْذِ مَا مَعَهُمْ . فَرَمَى وَاقْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التَّمِيمِيُّ عَمْرَو بْنَ الْحَضْرَمِيِّ بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ ، وَاسْتَأْسَرَ عُثْمَانَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَالْحَكَمَ بْنَ كَيْسَانَ ، وَأَفْلَتَ الْقَوْمَ نَوْفَلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَأَعْجَزَهُمْ . وَأَقْبَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ وَأَصْحَابُهُ بِالْعِيرِ وَالْأَسِيرَيْنِ ، حَتَّى قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ : وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ آلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ : أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ قَالَ لِأَصْحَابِهِ : إِنَّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا غَنِمْنَا الْخُمُسَ ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَفْرِضَ اللَّهُ الْخُمُسَ مِنَ الْمَغَانِمِ ، فَعَزَلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُمُسَ الْعِيرِ ، وَقَسَمَ سَائِرَهَا بَيْنَ أَصْحَابِهِ .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ : فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ قَالَ : " مَا أَمَرْتُكُمْ بِقِتَالٍ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ " . فَوَقَفَ الْعِيرَ وَالْأَسِيرَيْنِ ، وَأَبَى أَنْ يَأْخُذَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا ، فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُسْقِطَ فِي أَيْدِي الْقَوْمِ ، وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ هَلَكُوا ، وَعَنَّفَهُمْ إِخْوَانُهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِيمَا صَنَعُوا . وَقَالَتْ قُرَيْشٌ : قَدِ اسْتَحَلَّ مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ الشَّهْرَ الْحَرَامَ ، وَسَفَكُوا فِيهِ الدَّمَ ، وَأَخَذُوا فِيهِ الْأَمْوَالَ ، وَأَسَرُوا فِيهِ الرِّجَالَ . فَقَالَ مَنْ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِمَّنْ كَانَ بِمَكَّةَ : إِنَّمَا أَصَابُوا مَا أَصَابُوا فِي شَعْبَانَ .
وَقَالَتْ يَهُودُ تَفَاءَلُ بِذَلِكَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : عَمْرُو بْنُ الْحَضْرَمِيِّ قَتَلَهُ وَاقَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ : عَمْرٌو : عَمَرَتِ الْحَرْبُ ، وَالْحَضْرَمِيُّ : حَضَرَتِ الْحَرْبُ ، وَوَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ : وَقَدَتِ الْحَرْبُ . فَجَعَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ لَا لَهُمْ .
فَلَمَّا أَكْثَرَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :(يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ ) أَيْ : إِنْ كُنْتُمْ قَتَلْتُمْ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ فَقَدْ صَدُّوكُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَعَ الْكُفْرِ بِهِ ، وَعَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، وَإِخْرَاجُكُمْ مِنْهُ وَأَنْتُمْ أَهْلُهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ قَتْلِ مَنْ قَتَلْتُمْ مِنْهُمْ ، ( وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ ) أَيْ : قَدْ كَانُوا يَفْتِنُونَ الْمُسْلِمَ فِي دِينِهِ ، حَتَّى يَرُدُّوهُ إِلَى الْكُفْرِ بَعْدَ إِيمَانِهِ فَذَلِكَ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْقَتْلِ : [ ص: 577 ]
( وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ) أَيْ : ثُمَّ هُمْ مُقِيمُونَ عَلَى أَخْبَثِ ذَلِكَ وَأَعْظَمِهِ ، غَيْرُ تَائِبِينَ وَلَا نَازِعِينَ .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ : فَلَمَّا نَزَلَ الْقُرْآنُ بِهَذَا مِنَ الْأَمْرِ ، وَفَرَّجَ اللَّهُ عَنِ الْمُسْلِمِينَ مَا كَانُوا فِيهِ مِنَ الشَّفَقِ قَبَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِيرَ وَالْأَسِيرَيْنِ ، وَبَعَثَتْ إِلَيْهِ قُرَيْشٌ فِي فِدَاءِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، وَالْحَكَمِ بْنِ كَيْسَانَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا نُفْدِيكُمُوهُمَا حَتَّى يَقْدَمَ صَاحِبَانَا يَعْنِي سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ وَعُتْبَةَ بْنَ غَزْوَانَ فَإِنَّا نَخْشَاكُمْ عَلَيْهِمَا ، فَإِنْ تَقْتُلُوهُمَا نَقْتُلْ صَاحِبَيْكُمْ . فَقَدِمَ سَعْدٌ وَعُتْبَةُ ، فَأَفْدَاهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ .
فَأَمَّا الْحَكَمُ بْنُ كَيْسَانَ فَأَسْلَمَ وَحَسُنَ إِسْلَامُهُ ، وَأَقَامَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى قُتِلَ يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ شَهِيدًا . وَأَمَّا عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَلَحِقَ بِمَكَّةَ ، فَمَاتَ بِهَا كَافِرًا .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ : فَلَمَّا تَجَلَّى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ وَأَصْحَابِهِ مَا كَانُوا فِيهِ حِينَ نَزَلَ الْقُرْآنُ ، طَمِعُوا فِي الْأَجْرِ ، فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَنَطْمَعُ أَنْ تَكُونَ لَنَا غَزْوَةٌ نُعْطَى فِيهَا أَجْرَ الْمُجَاهِدِينَ [ الْمُهَاجِرِينَ ] ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) فَوَضَعَهُمُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى أَعْظَمِ الرَّجَاءِ .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ : وَالْحَدِيثُ فِي هَذَا عَنِ الزُّهْرِيِّ ، وَيَزِيدَ بْنِ رُومَانَ ، عَنْ عُرْوَةَ .
وَقَدْ رَوَى يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَرِيبًا مِنْ هَذَا السِّيَاقِ . وَرَوَى مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ نَفْسِهِ ، نَحْوَ ذَلِكَ .
وَرَوَى شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ نَحْوًا مِنْ هَذَا أَيْضًا ، وَفِيهِ : فَكَانَ ابْنُ الْحَضْرَمِيِّ أَوَّلَ قَتِيلٍ قُتِلَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ ، فَرَكِبَ وَفْدٌ مِنْ كُفَّارِ قُرَيْشٍ حَتَّى قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ فَقَالُوا : أَيَحِلُّ الْقِتَالُ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ : ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ [ قِتَالٍ فِيهِ ] ) الْآيَةَ . وَقَدِ اسْتَقْصَى ذَلِكَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ " دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ " .
ثُمَّ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ عَنْ زِيَادٍ ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ : وَقَدْ ذَكَرَ عَنْ بَعْضِ آلِ عَبْدِ اللَّهِ [ بْنِ جَحْشٍ ] أَنَّ اللَّهَ قَسَمَ الْفَيْءَ حِينَ أَحَلَّهُ ، فَجَعَلَ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسٍ لِمَنْ أَفَاءَهُ ، وَخُمُسًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ . فَوَقَعَ عَلَى مَا كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ صَنَعَ فِي تِلْكَ الْعِيرِ .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَهِيَ أَوَّلُ غَنِيمَةٍ غَنِمَهَا الْمُسْلِمُونَ . وَعَمْرُو بْنُ الْحَضْرَمِيِّ أَوَّلُ مَنْ قَتَلَ الْمُسْلِمُونَ ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، وَالْحَكَمُ بْنُ كَيْسَانَ أَوَّلُ مَنْ أَسَرَ الْمُسْلِمُونَ .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ : فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فِي غَزْوَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ ، وَيُقَالُ : بَلْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ قَالَهَا ، حِينَ قَالَتْ قُرَيْشٌ : قَدْ أَحَلَّ مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ الشَّهْرَ الْحَرَامَ ، فَسَفَكُوا فِيهِ [ ص: 578 ] الدَّمَ ، وَأَخَذُوا فِيهِ الْمَالَ ، وَأَسَرُوا فِيهِ الرِّجَالَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : هِيَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ :
تَعُدُّونَ قَتْلًا فِي الْحَرَامِ عَظِيمَةً وَأَعْظَمُ مِنْهُ لَوْ يَرَى الرُّشْدَ رَاشِدُ صُدُودُكُمُ عَمَّا يَقُولُ مُحَمَّدٌ
وَكُفْرٌ بِهِ وَاللَّهُ رَاءٍ وَشَاهِدُ وَإِخْرَاجُكُمْ مِنْ مَسْجِدِ اللَّهِ أَهْلَهُ
لِئَلَّا يُرَى لِلَّهِ فِي الْبَيْتِ سَاجِدُ فَإِنَّا وَإِنْ عَيَّرْتُمُونَا بِقَتْلِهِ
وَأَرْجَفَ بِالْإِسْلَامِ بَاغٍ وَحَاسِدُ سَقَيْنَا مِنَ ابْنِ الْحَضْرَمِيِّ رِمَاحَنَا
بِنَخْلَةَ لَمَّا أَوْقَدَ الْحَرْبَ وَاقِدُ دَمًا وَابْنُ عَبْدِ اللَّهِ عُثْمَانُ بَيْنَنَا
يُنَازِعُهُ غُلٌّ مِنَ الْقَدِّ عَانِدُ


138
( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ( 219 ) فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ( 220 ) )

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ الْوَلِيدِ ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ ، عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ : لَمَّا نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ قَالَ : اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانًا شَافِيًا . فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ التِي فِي الْبَقَرَةِ :(يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ [ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ ] ) فَدُعِيَ عُمَرُ فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ ، فَقَالَ : اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانًا شَافِيًا . فَنَزَلَتِ الْآيَةُ التِي فِي النِّسَاءِ : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى ) [ النِّسَاءِ : 43 ] ، فَكَانَ مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَقَامَ الصَّلَاةَ نَادَى : أَلَّا يَقْرَبَنَّ الصَّلَاةَ سَكْرَانُ . فَدُعِيَ عُمَرُ فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ ، فَقَالَ : اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانًا شَافِيًا . فَنَزَلَتِ الْآيَةُ التِي فِي الْمَائِدَةِ . فَدَعِي عُمَرُ ، فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ ، فَلَمَّا بَلَغَ : ( فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ) [ الْمَائِدَةِ : 91 ] ؟ قَالَ عُمَرُ : انْتَهَيْنَا ، انْتَهَيْنَا .
وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ ، وَالتِّرْمِذِيُّ ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طُرُقٍ ، عَنْ إِسْرَائِيلَ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ . وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ ، وَاسْمُهُ عَمْرُو بْنُ شُرَحْبِيلَ الْهَمْدَانِيُّ الْكُوفِيُّ ، عَنْ عُمَرَ . وَلَيْسَ لَهُ عَنْهُ سِوَاهُ ، لَكِنْ قَالَ أَبُو زُرْعَةَ : لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ . وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ : هَذَا الْإِسْنَادُ صَالِحٌ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ . وَزَادَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ بَعْدَ قَوْلِهِ : انْتَهَيْنَا : إِنَّهَا تُذْهِبُ الْمَالَ وَتُذْهِبُ الْعَقْلَ . وَسَيَأْتِي هَذَا الْحَدِيثُ أَيْضًا مَعَ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ [ ص: 579 ] طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا عِنْدَ قَوْلِهِ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ : (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) [ الْمَائِدَةِ : 90 ] الْآيَاتِ .
فَقَوْلُهُ : ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ) أَمَّا الْخَمْرُ فَكَمَا قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : إِنَّهُ كُلُّ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ . كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ ، وَكَذَا الْمَيْسِرُ ، وَهُوَ الْقِمَارُ .
وَقَوْلُهُ : ( قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ ) أَمَّا إِثْمُهُمَا فَهُوَ فِي الدِّينِ ، وَأَمَّا الْمَنَافِعُ فَدُنْيَوِيَّةٌ ، مِنْ حَيْثُ إِنَّ فِيهَا نَفْعَ الْبَدَنِ ، وَتَهْضِيمَ الطَّعَامِ ، وَإِخْرَاجَ الْفَضَلَاتِ ، وَتَشْحِيذَ بَعْضِ الْأَذْهَانِ ، وَلَذَّةَ الشِّدَّةِ الْمُطْرِبَةِ التِي فِيهَا ، كَمَا قَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِي جَاهِلِيَّتِهِ : وَنَشْرَبُهَا فَتَتْرُكُنَا مُلُوكًا وَأُسْدًا لَا يُنَهْنِهُهَا اللَّقَاءُ
وَكَذَا بَيْعُهَا وَالِانْتِفَاعُ بِثَمَنِهَا . وَمَا كَانَ يُقَمِّشُهُ بَعْضُهُمْ مِنَ الْمَيْسِرِ فَيُنْفِقُهُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عِيَالِهِ . وَلَكِنَّ هَذِهِ الْمَصَالِحِ لَا تُوَازِي مَضَرَّتُهُ وَمَفْسَدَتُهُ الرَّاجِحَةُ ، لِتَعَلُّقِهَا بِالْعَقْلِ وَالدِّينِ ، وَلِهَذَا قَالَ : ( وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا);وَلِهَذَا كَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ مُمَهِّدَةً لِتَحْرِيمِ الْخَمْرِ عَلَى الْبَتَاتِ ، وَلَمْ تَكُنْ مُصَرِّحَةً بَلْ مُعَرِّضَةً ; وَلِهَذَا قَالَ عُمَرُ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، لَمَّا قُرِئَتْ عَلَيْهِ : اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانًا شَافِيًا ، حَتَّى نَزَلَ التَّصْرِيحُ بِتَحْرِيمِهَا فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ : (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ) [ الْمَائِدَةِ : 90 ، 91 ] وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، وَبِهِ الثِّقَةُ .
قَالَ ابْنُ عُمَرَ ، وَالشَّعْبِيُّ ، وَمُجَاهِدٌ ، وَقَتَادَةُ ، وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ : هَذِهِ أَوَّلُ آيَةٍ نَزَلَتْ فِي الْخَمْرِ : ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ [ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ ] ) ثُمَّ نَزَلَتِ الْآيَةُ التِي فِي سُورَةِ النِّسَاءِ ، ثُمَّ التِي فِي الْمَائِدَةِ ، فَحُرِّمَتِ الْخَمْرُ .
وَقَوْلُهُ : ( وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ ) قُرِئَ بِالنَّصْبِ وَبِالرَّفْعِ وَكِلَاهُمَا حَسَنٌ مُتَّجِهٌ قَرِيبٌ .
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ : حَدَّثَنَا أَبِي ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، حَدَّثَنَا أَبَانُ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى أَنَّهُ بَلَغَهُ : أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ وَثَعْلَبَةَ أَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنْ لَنَا أَرِقَّاءَ وَأَهْلِينَ [فَمَا نُنْفِقُ ] مِنْ أَمْوَالِنَا . فَأَنْزَلَ اللَّهُ : ( وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ ) .
وَقَالَ الْحَكَمُ ، عَنْ مِقْسَمٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : ( وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ ) قَالَ : مَا يَفْضُلُ عَنْ أَهْلِكَ . [ ص: 580 ]
وَكَذَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، وَمُجَاهِدٍ ، وَعَطَاءٍ ، وَعِكْرِمَةَ ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ ، وَالْحَسَنِ ، وَقَتَادَةَ ، وَالْقَاسِمِ ، وَسَالِمٍ ، وَعَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ ، وَالرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ ، وَغَيْرِ وَاحِدٍ : أَنَّهُمْ قَالُوا فِي قَوْلِهِ : ( قُلِ الْعَفْوَ ) يَعْنِي الْفَضْلَ .
وَعَنْ طَاوُسٍ : الْيَسِيرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ، وَعَنِ الرَّبِيعِ أَيْضًا : أَفْضَلُ مَالِكَ ، وَأَطْيَبُهُ . وَالْكُلُّ يَرْجِعُ إِلَى الْفَضْلِ .
وَقَالَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ فِي تَفْسِيرِهِ : حَدَّثَنَا هَوْذَةُ بْنُ خَلِيفَةَ ، عَنْ عَوْفٍ ، عَنِ الْحَسَنِ : ( وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ ) قَالَ : ذَلِكَ أَلَّا تُجْهِدَ مَالِكَ ثُمَّ تَقْعُدُ تَسْأَلُ النَّاسَ .
وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ : حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ ، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ ، عَنِ الْمَقْبُرِيِّ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، عِنْدِي دِينَارٌ ؟ قَالَ : " أَنْفِقْهُ عَلَى نَفْسِكَ " . قَالَ : عِنْدِي آخَرُ ؟ قَالَ : " أَنْفِقْهُ عَلَى أَهْلِكَ " . قَالَ : عِنْدِي آخَرُ ؟ قَالَ : " أَنْفِقْهُ عَلَى وَلَدِكَ " . قَالَ : عِنْدِي آخَرُ ؟ قَالَ : " فَأَنْتَ أَبْصَرُ " .
وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ . وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ جَابِرٍ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِرَجُلٍ : " ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَتَصَدَّقْ عَلَيْهَا ، فَإِنْ فَضُلَ شَيْءٌ فَلِأَهْلِكَ ، فَإِنْ فَضُلَ شَيْءٌ عَنْ أَهْلِكَ فَلِذِي قَرَابَتِكَ ، فَإِنْ فَضُلَ عَنْ ذِي قَرَابَتِكَ شَيْءٌ فَهَكَذَا وَهَكَذَا
وَعِنْدَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى ، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى ، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولَ " .
وَفِي الْحَدِيثِ أَيْضًا : " ابْنَ آدَمَ ، إِنَّكَ إِنْ تَبْذُلِ الْفَضْلَ خَيْرٌ لَكَ ، وَإِنْ تُمْسِكْهُ شَرٌّ لَكَ ، وَلَا تُلَامُ عَلَى كَفَافٍ " .
ثُمَّ قَدْ قِيلَ : إِنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ الزَّكَاةِ ، كَمَا رَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ ، وَالْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَقَالَهُ عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ وَالسُّدِّيُّ ، وَقِيلَ : مُبَيَّنَةٌ بِآيَةِ الزَّكَاةِ ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ ، وَهُوَ أَوْجُهُ .
وَقَوْلُهُ:(كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ) أَيْ : كَمَا فَصَّلَ لَكُمْ هَذِهِ الْأَحْكَامَ وَبَيَّنَهَا وَأَوْضَحَهَا ، كَذَلِكَ يُبَيِّنُ لَكُمْ سَائِرَ الْآيَاتِ فِي أَحْكَامِهِ وَوَعْدِهِ ، وَوَعِيدِهِ ، لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ . [ ص: 581 ]قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : يَعْنِي فِي زَوَالِ الدُّنْيَا وَفَنَائِهَا ، وَإِقْبَالِ الْآخِرَةِ وَبَقَائِهَا .
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ : حَدَّثَنَا أَبِي ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّنَافَسِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ، عَنِ الصَّعْقِ الْعَيْشِيِّ قَالَ : شَهِدْتُ الْحَسَنَ وَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ مِنَ الْبَقَرَةِ : ( لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ) قَالَ : هِيَ وَاللَّهِ لِمَنْ تَفَكَّرَ فِيهَا ، لِيَعْلَمَ أَنَّ الدُّنْيَا دَارُ بَلَاءٍ ، ثُمَّ دَارُ فَنَاءٍ ، وَلِيَعْلَمَ أَنَّ الْآخِرَةَ دَارُ جَزَاءٍ ، ثُمَّ دَارُ بَقَاءٍ .
وَهَكَذَا قَالَ قَتَادَةُ ، وَابْنُ جُرَيْجٍ ، وَغَيْرُهُمَا .
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ قَتَادَةَ : لِتَعْلَمُوا فَضْلَ الْآخِرَةِ عَلَى الدُّنْيَا . وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ قَتَادَةَ : فَآثِرُوا الْآخِرَةَ عَلَى الْأُولَى .
[ وَقَدْ ذَكَرْنَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ : ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ) [آلِ عِمْرَانَ : 190]آثَارًا كَثِيرَةً عَنِ السَّلَفِ فِي مَعْنَى التَّفَكُّرِ وَالِاعْتِبَارِ ] .
وَقَوْلُهُ:(وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ ) الْآيَةَ : قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ :
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ : ( وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) [ الْإِسْرَاءِ : 34 ] وَ ( إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ) [ النِّسَاءِ : 10 ] انْطَلَقَ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ يَتِيمٌ فَعَزَلَ طَعَامَهُ مِنْ طَعَامِهِ ، وَشَرَابَهُ مِنْ شَرَابِهِ ، فَجَعَلَ يَفْضُلُ لَهُ الشَّيْءُ مِنْ طَعَامِهِ فَيُحْبَسُ لَهُ حَتَّى يَأْكُلَهُ أَوْ يَفْسَدَ ، فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ :(وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ ) فَخَلَطُوا طَعَامَهُمْ بِطَعَامِهِمْ وَشَرَابَهُمْ بِشَرَابِهِمْ .
وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ ، وَالنَّسَائِيُّ ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ ، وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ مِنْ طُرُقٍ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ ، بِهِ . وَكَذَا رَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ . وَكَذَا رَوَاهُ السُّدِّيُّ ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ وَعَنْ أَبِي صَالِحٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَنْ مُرَّةَ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ بِمِثْلِهِ . وَهَكَذَا ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ فِي سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ كَمُجَاهِدٍ ، وَعَطَاءٍ ، وَالشَّعْبِيِّ ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى ، وَقَتَادَةَ ، وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ .
قَالَ وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ : حَدَّثَنَا هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ عَنْ حَمَّادٍ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ : قَالَتْ عَائِشَةُ : [ ص: 582 ]
إِنِّي لَأَكْرَهُ أَنْ يَكُونَ مَالُ الْيَتِيمِ عِنْدِي عُرَّةً حَتَّى أَخْلِطَ طَعَامَهُ بِطَعَامِي وَشَرَابَهُ بِشَرَابِي .
فَقَوْلُهُ : ( قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ ) أَيْ : عَلَى حِدَةٍ ( وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ ) أَيْ : وَإِنْ خَلَطْتُمْ طَعَامَكُمْ بِطَعَامِهِمْ وَشَرَابَكُمْ بِشَرَابِهِمْ ، فَلَا بَأْسَ عَلَيْكُمْ ; لِأَنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ ; وَلِهَذَا قَالَ : ( وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ ) أَيْ : يَعْلَمُ مَنْ قَصْدُهُ وَنِيَّتُهُ الْإِفْسَادَ أَوِ الْإِصْلَاحَ .
وَقَوْلُهُ : ( وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) أَيْ : وَلَوْ شَاءَ لَضَيَّقَ عَلَيْكُمْ وَأَحْرَجَكُمْ وَلَكِنَّهُ وَسَّعَ عَلَيْكُمْ ، وَخَفَّفَ عَنْكُمْ ، وَأَبَاحَ لَكُمْ مُخَالَطَتَهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ، كَمَا قَالَ : ( وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) [ الْأَنْعَامِ : 152 ] ، ، بَلْ قَدْ جَوَّزَ الْأَكْلَ مِنْهُ لِلْفَقِيرِ بِالْمَعْرُوفِ ، إِمَّا بِشَرْطِ ضَمَانِ الْبَدَلِ لِمَنْ أَيْسَرَ ، أَوْ مَجَّانًا كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، وَبِهِ الثِّقَةُ .
139

( وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ( 221 )
هَذَا تَحْرِيمٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَتَزَوَّجُوا الْمُشْرِكَاتِ مِنْ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ . ثُمَّ إِنْ كَانَ عُمُومُهَا مُرَادًا ، وَأَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهَا كُلُّ مُشْرِكَةٍ مِنْ كِتَابِيَّةٍ وَوَثَنِيَّةٍ ، فَقَدْ خَصَّ مِنْ ذَلِكَ نِسَاءَ أَهْلِ الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ : ( وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ [ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ ] ) [ الْمَائِدَةِ : 5 ] .
قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ : ( وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ ) اسْتَثْنَى اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ نِسَاءَ أَهْلِ الْكِتَابِ . وَهَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ ، وَعِكْرِمَةُ ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ ، وَمَكْحُولٌ ، وَالْحَسَنُ ، وَالضَّحَّاكُ ، وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ ، وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ ، وَغَيْرُهُمْ .
وَقِيلَ : بَلِ الْمُرَادُ بِذَلِكَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ ، وَلَمْ يُرِدْ أَهْلَ الْكِتَابِ بِالْكُلِّيَّةِ ، وَالْمَعْنَى قَرِيبٌ مِنَ الْأَوَّلِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
فَأَمَّا مَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ : حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ آدَمَ بْنِ أَبِي إِيَاسٍ الْعَسْقَلَانِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبِي ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَهْرَامَ الْفَزَارِيُّ ، حَدَّثَنَا شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ قَالَ : سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ : نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَصْنَافِ النِّسَاءِ ، إِلَّا مَا كَانَ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ الْمُهَاجِرَاتِ ، وَحَرَّمَ كُلَّ ذَاتِ دِينٍ غَيْرِ الْإِسْلَامِ ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : ( وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ ) [ الْمَائِدَةِ : 5 ] . وَقَدْ نَكَحَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ يَهُودِيَّةً ، وَنَكَحَ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ نَصْرَانِيَّةً ، فَغَضِبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ غَضَبًا شَدِيدًا ، حَتَّى هَمَّ أَنْ يَسْطُوَ عَلَيْهِمَا . فَقَالَا : نَحْنُ نُطَلِّقُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، وَلَا تَغْضَبُ ! فَقَالَ : لَئِنْ حَلَّ طَلَاقُهُنَّ لَقَدْ حَلَّ نِكَاحُهُنَّ ، وَلَكِنِّي أَنْتَزِعُهُنَّ مِنْكُمْ صَغَرَةً قَمَأَةً فَهُوَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا . وَهَذَا الْأَثَرُ عَنْ عُمَرَ غَرِيبٌ أَيْضًا . [ ص: 583 ]
قَالَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ ، رَحِمَهُ اللَّهُ ، بَعْدَ حِكَايَتِهِ الْإِجْمَاعَ عَلَى إِبَاحَةِ تَزْوِيجِ الْكِتَابِيَّاتِ : وَإِنَّمَا كَرِهَ عُمَرُ ذَلِكَ ، لِئَلَّا يَزْهَدَ النَّاسُ فِي الْمُسَلَّمَاتِ ، أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَعَانِي ، كَمَا حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ ، حَدَّثَنَا الصَّلْتُ بْنُ بَهْرَامَ ، عَنْ شَقِيقٍ قَالَ : تَزَوَّجَ حُذَيْفَةُ يَهُودِيَّةً ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ : خَلِّ سَبِيلَهَا ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ : أَتَزْعُمُ أَنَّهَا حَرَامٌ فَأُخَلِّي سَبِيلَهَا ؟ فَقَالَ : لَا أَزْعُمُ أَنَّهَا حَرَامٌ ، وَلَكِنِّي أَخَافُ أَنْ تَعَاطَوُا الْمُومِسَاتِ مِنْهُنَّ .
وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ ، وَرَوَى الْخَلَّالُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ ، عَنْ وَكِيعٍ ، عَنِ الصَّلْتِ نَحْوَهُ .
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ : حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَسْرُوقِيُّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ : قَالَ [ لِي ] عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : الْمُسْلِمُ يَتَزَوَّجُ النَّصْرَانِيَّةَ ، وَلَا يَتَزَوَّجُ النَّصْرَانِيَّ الْمُسْلِمَةَ .
قَالَ : وَهَذَا أَصَحُّ إِسْنَادًا مِنَ الْأَوَّلِ .
ثُمَّ قَالَ : وَقَدْ حَدَّثَنَا تَمِيمُ بْنُ الْمُنْتَصِرِ ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ الْأَزْرَقُ عَنْ شَرِيكٍ ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سَوَّارٍ ، عَنِ الْحَسَنِ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " نَتَزَوَّجُ نِسَاءَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا يَتَزَوَّجُونَ نِسَاءَنَا " .
ثُمَّ قَالَ : وَهَذَا الْخَبَرُ وَإِنْ كَانَ فِي إِسْنَادِهِ مَا فِيهِ فَالْقَوْلُ بِهِ لِإِجْمَاعِ الْجَمِيعِ مِنَ الْأُمَّةِ عَلَى صِحَّةِ الْقَوْلِ بِهِ .
كَذَا قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ ، رَحِمَهُ اللَّهُ .
وَقَدْ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْأَحْمَسِيُّ ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ : أَنَّهُ كَرِهَ نِكَاحَ أَهْلِ الْكِتَابِ ، وَتَأَوَّلَ ( وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ )
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ : وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ : لَا أَعْلَمَ شِرْكًا أَعْظَمَ مِنْ أَنْ تَقُولَ : رَبُّهَا عِيسَى .
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْخَلَّالُ الْحَنْبَلِيُّ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَارُونَ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ( ح ) وَأَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ : أَنَّهُمَا سَأَلَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ ، عَنْ قَوْلِ [ ص: 584 ] اللَّهِ : ( وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ ) قَالَ : مُشْرِكَاتُ الْعَرَبِ الَّذِينَ يَعْبُدُونَ الْأَوْثَانَ .
وَقَوْلُهُ : ( وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ) قَالَ السُّدِّيُّ : نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ ، كَانَتْ لَهُ أَمَةٌ سَوْدَاءُ ، فَغَضِبَ عَلَيْهَا فَلَطَمَهَا ، ثُمَّ فَزِعَ ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَخْبَرَهُ خَبَرَهَا . فَقَالَ لَهُ : " مَا هِيَ ؟ " قَالَ : تَصُومُ ، وَتَصِلِي ، وَتُحْسِنُ الْوُضُوءَ ، وَتَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ . فَقَالَ : " يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ، هَذِهِ مُؤْمِنَةٌ " . فَقَالَ : وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَأُعْتِقَنَّهَا وَلَأَتَزَوَّجَنَّهَا . فَفَعَلَ ، فَطَعَنَ عَلَيْهِ نَاسٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، وَقَالُوا : نَكَحَ أَمَةً . وَكَانُوا يُرِيدُونَ أَنْ يَنْكِحُوا إِلَى الْمُشْرِكِينَ ، وَيُنْكِحُوهُمْ رَغْبَةً فِي أَحْسَابِهِمْ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ : ( وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ) ( وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ )
وَقَالَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ : حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادٍ الْإِفْرِيقِيُّ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَا تَنْكِحُوا النِّسَاءَ لِحُسْنِهِنَّ ، فَعَسَى حُسْنُهُنَّ أَنْ يُرْدِيَهُنَّ ، وَلَا تَنْكِحُوهُنَّ عَلَى أَمْوَالِهِنَّ فَعَسَى أَمْوَالُهُنَّ أَنْ تُطْغِيَهُنَّ ، وَانْكِحُوهُنَّ عَلَى الدِّينِ ، فَلَأَمَةٌ سَوْدَاءُ خَرْمَاءُ ذَاتُ دِينٍ أَفْضَلُ " . وَالْإِفْرِيقِيُّ ضَعِيفٌ .
وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ : لِمَالِهَا ، وَلِحَسَبِهَا وَلِجَمَالِهَا ، وَلِدِينِهَا ; فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ " . وَلِمُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ مِثْلُهُ . وَلَهُ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " الدُّنْيَا مَتَاعٌ ، وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَالِحٍةُ " .
وَقَوْلُهُ : ( وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا ) أَيْ : لَا تُزَوِّجُوا الرِّجَالَ الْمُشْرِكِينَ النِّسَاءَ الْمُؤْمِنَاتِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : ( لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ) [ الْمُمْتَحَنَةِ : 10 ] .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : ( وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ ) أَيْ : وَلَرَجُلٌ مُؤْمِنٌ وَلَوْ كَانَ عَبْدًا حَبَشِيًّا خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ ، وَإِنْ كَانَ رَئِيسًا سَرِيًّا ( أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ) أَيْ : مُعَاشَرَتُهُمْ وَمُخَالَطَتُهُمْ تَبْعَثُ عَلَى حُبِّ الدُّنْيَا وَاقْتِنَائِهَا وَإِيثَارِهَا عَلَى الدَّارِ الْآخِرَةِ ، وَعَاقِبَةُ ذَلِكَ وَخِيمَةٌ ( وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ ) أَيْ : بِشَرْعِهِ وَمَا أَمَرَ بِهِ وَمَا نَهَى عَنْهُ ( وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ )
140
( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ( 222 ) نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ( 223 ) )
[ ص: 585 ]
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ ثَابِتٍ ، عَنْ أَنَسٍ : أَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا إِذَا حَاضَتِ الْمَرْأَةُ مِنْهُمْ لَمْ يُؤَاكِلُوهَا وَلَمْ يُجَامِعُوهَا فِي الْبُيُوتِ ، فَسَأَلَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ [ النَّبِيَّ ] صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ ) حَتَّى فَرَغَ مِنَ الْآيَةِ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا النِّكَاحَ " . فَبَلَغَ ذَلِكَ الْيَهُودَ ، فَقَالُوا : مَا يُرِيدُ هَذَا الرَّجُلُ أَنْ يَدَعَ مِنْ أَمْرِنَا شَيْئًا إِلَّا خَالَفَنَا فِيهِ ! فَجَاءَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ وَعَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ فَقَالَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ الْيَهُودَ قَالَتْ كَذَا وَكَذَا ، أَفَلَا نُجَامِعُهُنَّ ؟ فَتَغَيَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنْ قَدْ وَجَدَ عَلَيْهِمَا ، فَخَرَجَا ، فَاسْتَقْبَلَتْهُمَا هَدِيَّةٌ مِنْ لَبَنٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَرْسَلَ فِي آثَارِهِمَا ، فَسَقَاهُمَا ، فَعَرَفَا أَنْ لَمْ يَجِدْ عَلَيْهِمَا .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ .
فَقَوْلُهُ : ( فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ) يَعْنِي [ فِي ] الْفَرْجِ ، لِقَوْلِهِ : " اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا النِّكَاحَ " ; وَلِهَذَا ذَهَبَ كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ أَوْ أَكْثَرِهِمْ إِلَى أَنَّهُ تَجُوزُ مُبَاشَرَةُ الْحَائِضِ فِيمَا عَدَا الْفَرْجِ 
قَالَ أَبُو دَاوُدَ : حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ ، عَنْ أَيُّوبَ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَرَادَ مِنَ الْحَائِضِ شَيْئًا ، أَلْقَى عَلَى فَرْجِهَا ثَوْبًا .
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا : حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ يَعْنِي ابْنَ عُمَرَ بْنِ غَانِمٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَعْنِي ابْنَ زِيَادٍ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غُرَابٍ : أَنَّ عَمَّةً لَهُ حَدَّثَتْهُ : أَنَّهَا سَأَلَتْ عَائِشَةَ قَالَتْ : إِحْدَانَا تَحِيضُ ، وَلَيْسَ لَهَا وَلِزَوْجِهَا فِرَاشٌ إِلَّا فِرَاشٌ وَاحِدٌ ؟ قَالَتْ : أُخْبِرُكِ بِمَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : دَخَلَ فَمَضَى إِلَى مَسْجِدِهِ قَالَ أَبُو دَاوُدَ : تَعْنِي مَسْجِدَ بَيْتِهَا فَمَا انْصَرَفَ حَتَّى غَلَبَتْنِي عَيْنِي ، وَأَوْجَعَهُ الْبَرْدُ ، فَقَالَ : " ادْنِي مِنِّي " . فَقُلْتُ : إِنِّي حَائِضٌ . فَقَالَ : " اكْشِفِي عَنْ فَخِذَيْكِ " . فَكَشَفْتُ فَخِذِي ، فَوَضَعَ خَدَّهُ وَصَدْرَهُ عَلَى فَخِذِي ، وَحَنَيْتُ عَلَيْهِ حَتَّى دَفِئَ وَنَامَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَالَ : أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ : حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ كِتَابِ أَبِي قِلَابَةَ : أَنَّ مَسْرُوقًا رَكِبَ إِلَى عَائِشَةَ ، فَقَالَ : السَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ وَعَلَى أَهْلِهِ . فَقَالَتْ عَائِشَةُ : أَبُو [ ص: 586 ] عَائِشَةَ ! مَرْحَبًا مَرْحَبًا . فَأَذِنُوا لَهُ فَدَخَلَ ، فَقَالَ : إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكِ عَنْ شَيْءٍ ، وَأَنَا أَسْتَحِي . فَقَالَتْ : إِنَّمَا أَنَا أُمُّكَ ، وَأَنْتَ ابْنِي . فَقَالَ : مَا لِلرَّجُلِ مِنَ امْرَأَتِهِ وَهِيَ حَائِضٌ ؟ فَقَالَتْ : لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا فَرْجَهَا .
وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ حُمَيْدِ بْنِ مَسْعَدَةَ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ ، عَنْ عُيَيْنَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَوْشَنٍ ، عَنْ مَرْوَانَ الْأَصْفَرِ ، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ : قُلْتُ لِعَائِشَةَ : مَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ مِنَ امْرَأَتِهِ إِذَا كَانَتْ حَائِضًا ؟ قَالَتْ : كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا الْجِمَاعَ .
وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَمُجَاهِدٍ ، وَالْحَسَنِ ، وَعِكْرِمَةَ .
وَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ أَيْضًا ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ ، عَنِ ابْنِ أَبِي زَائِدَةَ ، عَنْ حَجَّاجٍ ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : لَهُ مَا فَوْقَ الْإِزَارِ .
قُلْتُ : وَتَحُلُّ مُضَاجَعَتَهَا وَمُؤَاكَلَتَهَا بِلَا خِلَافٍ . قَالَتْ عَائِشَةُ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنِي فَأَغْسِلُ رَأْسَهُ وَأَنَا حَائِضٌ ، وَكَانَ يَتَّكِئُ فِي حِجْرِي وَأَنَا حَائِضٌ ، فَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ . وَفِي الصَّحِيحِ عَنْهَا قَالَتْ : كُنْتُ أَتَعَرَّقُ الْعَرْقَ وَأَنَا حَائِضٌ ، فَأُعْطِيهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَيَضَعُ فَمَهُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي وَضَعْتُ فَمِي فِيهِ ، وَأَشْرَبُ الشَّرَابَ فَأُنَاوِلُهُ ، فَيَضَعُ فَمَهُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي كُنْتُ أَشْرَبُ .
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ : حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى ، عَنْ جَابِرِ بْنِ صُبْحٍ سَمِعْتُ خِلَاسًا الْهَجَرِيَّ قَالَ : سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ : كُنْتُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيتُ فِي الشِّعَارِ الْوَاحِدِ ، وَإِنِّي حَائِضٌ طَامِثٌ ، فَإِنْ أَصَابَهُ مِنِّي شَيْءٌ ، غَسَلَ مَكَانَهُ لَمْ يَعْدُهُ ، وَإِنْ أَصَابَ يَعْنِي ثَوْبَهُ شَيْءٌ غَسَلَ مَكَانَهُ لَمْ يَعْدُهُ ، وَصَلَّى فِيهِ .
فَأَمَّا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ : حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي الْيَمَانِ ، عَنْ أُمِّ ذَرَّةَ ، عَنْ عَائِشَةَ : أَنَّهَا قَالَتْ : كُنْتُ إِذَا حُضْتُ نَزَلْتُ عَنِ الْمِثَالِ عَلَى الْحَصِيرِ ، فَلَمْ نَقْرَبْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ نَدْنُ مِنْهُ حَتَّى نَطْهُرَ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى التَّنَزُّهِ وَالِاحْتِيَاطِ .
وَقَالَ آخَرُونَ : إِنَّمَا تَحِلُّ لَهُ مُبَاشَرَتُهَا فِيمَا عَدَا مَا تَحْتَ الْإِزَارِ ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ ، عَنْ مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ الْهِلَالِيَّةِ قَالَتْ : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُبَاشِرَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ أَمَرَهَا فَاتَّزَرَتْ وَهِيَ حَائِضٌ . وَهَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ . وَلَهُمَا عَنْ عَائِشَةَ نَحْوُهُ .
وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ ، وَأَبُو دَاوُدَ ، وَالتِّرْمِذِيُّ ، وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ الْعَلَاءِ بْنِ الْحَارِثِ ، عَنْ حِزَامِ [ ص: 587 ] بْنِ حَكِيمٍ ، عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ الْأَنْصَارِيِّ : أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا يَحِلُّ لِي مِنَ امْرَأَتِي وَهِيَ حَائِضٌ ؟ قَالَ : " مَا فَوْقَ الْإِزَارِ " .
وَلِأَبِي دَاوُدَ أَيْضًا ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ : سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّا يَحِلُّ لِي مِنَ امْرَأَتِي وَهِيَ حَائِضٌ . قَالَ : " مَا فَوْقَ الْإِزَارِ ، وَالتَّعَفُّفُ عَنْ ذَلِكَ أَفْضَلُ " . وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ عَائِشَةَ كَمَا تَقَدَّمَ وَابْنِ عَبَّاسٍ ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، وَشُرَيْحٍ .
فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ وَمَا شَابَهَهَا حُجَّةُ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ يَحِلُّ مَا فَوْقَ الْإِزَارِ مِنْهَا ، وَهُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ ، الَّذِي رَجَّحَهُ كَثِيرٌ مِنَ الْعِرَاقِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ . وَمَأْخَذُهُمْ أَنَّهُ حَرِيمُ الْفَرْجِ ، فَهُوَ حَرَامٌ ، لِئَلَّا يُتَوَصَّلَ إِلَى تَعَاطِي مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ، الَّذِي أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَحْرِيمِهِ ، وَهُوَ الْمُبَاشِرَةُ فِي الْفَرْجِ . ثُمَّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَثِمَ ، فَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَيَتُوبُ إِلَيْهِ . وَهَلْ يَلْزَمُهُ مَعَ ذَلِكَ كَفَّارَةٌ أَمْ لَا ؟ فِيهِ قَوْلَانِ :
أَحَدُهُمَا : نَعَمْ ، لِمَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ ، وَأَهْلُ السُّنَنِ ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الَّذِي يَأْتِي امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ : " يَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ ، أَوْ نِصْفِ دِينَارٍ " . وَفِي لَفْظٍ لِلتِّرْمِذِيَ : " إِذَا كَانَ دَمًا أَحْمَرَ فَدِينَارٌ ، وَإِنْ كَانَ دَمًا أَصْفَرَ فَنِصْفُ دِينَارٍ " . وَلِلْإِمَامِ أَحْمَدَ أَيْضًا ، عَنْهُ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ فِي الْحَائِضِ تُصَابُ ، دِينَارًا فَإِنْ أَصَابَهَا وَقَدْ أَدْبَرَ الدَّمُ عَنْهَا وَلَمْ تَغْتَسِلْ ، فَنِصْفُ دِينَارٍ .
وَالْقَوْلُ الثَّانِي : وَهُوَ الصَّحِيحُ الْجَدِيدُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ ، وَقَوْلِ الْجُمْهُورِ : أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِي ذَلِكَ ، بَلْ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَهُمْ رَفْعُ هَذَا الْحَدِيثِ ، فَإِنَّهُ [ قَدْ ] رُوِيَ مَرْفُوعًا كَمَا تَقَدَّمَ وَمَوْقُوفًا ، وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ ، فَقَوْلُهُ تَعَالَى : ( وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ ) تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ : ( فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ) وَنَهْيٌ عَنْ قُرْبَانِهِنَّ بِالْجِمَاعِ مَا دَامَ الْحَيْضُ مَوْجُودًا ، وَمَفْهُومُهُ حِلُّهُ إِذَا انْقَطَعَ ، [ وَقَدْ قَالَ بِهِ طَائِفَةٌ مِنَ السَّلَفِ . قَالَ الْقُرْطُبِيُّ : وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ وَطَاوُسٌ : انْقِطَاعُ الدَّمِ يُحِلُّهَا لِزَوْجِهَا وَلَكِنْ بِأَنْ تَتَوَضَّأَ ] .
وَقَوْلُهُ : ( فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ ) فِيهِ نَدْبٌ وَإِرْشَادٌ إِلَى غِشْيَانِهِنَّ بَعْدَ الِاغْتِسَالِ . وَذَهَبَ ابْنُ حَزْمٍ إِلَى وُجُوبِ الْجِمَاعِ بَعْدَ كُلِّ حَيْضَةٍ ، لِقَوْلِهِ : ( فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ ) وَلَيْسَ لَهُ فِي ذَلِكَ مُسْتَنَدٌ ، لِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ بَعْدَ الْحَظْرِ . وَفِيهِ أَقْوَالٌ لِعُلَمَاءَ الْأُصُولِ ، مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : إِنَّهُ لِلْوُجُوبِ كَالْمُطْلَقِ . وَهَؤُلَاءِ يَحْتَاجُونَ إِلَى جَوَابِ ابْنِ حَزْمٍ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : إِنَّهُ لِلْإِبَاحَةِ ، وَيَجْعَلُونَ تَقَدُّمَ النَّهْيِ عَلَيْهِ قَرِينَةً صَارِفَةً لَهُ عَنِ الْوُجُوبِ ، وَفِيهِ نَظَرٌ . وَالَّذِي يَنْهَضُ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ أَنَّهُ يُرَدُّ الْحُكْمُ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ قَبْلَ النَّهْيِ ، فَإِنْ كَانَ وَاجِبًا فَوَاجِبٌ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى : [ ص: 588 ] ) فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ ) [ التَّوْبَةِ : 5 ] ، أَوْ مُبَاحًا فَمُبَاحٌ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى : ( وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا ) [ الْمَائِدَةِ : 2 ] ، ( فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ ) [ الْجُمْعَةِ : 10 ] وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ تَجْتَمِعُ الْأَدِلَّةُ ، وَقَدْ حَكَاهُ الْغَزَّالِيُّ وَغَيْرُهُ ، وَاخْتَارَهُ بَعْضُ أَئِمَّةِ الْمُتَأَخِّرِينَ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ .
وَقَدِ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا انْقَطَعَ حَيْضُهَا لَا تَحِلُّ حَتَّى تَغْتَسِلَ بِالْمَاءِ أَوْ تَتَيَمَّمَ ، إِنَّ تَعَذَّرَ ذَلِكَ عَلَيْهَا بِشَرْطِهِ ، [ إِلَّا يَحْيَى بْنَ بُكَيْرٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَهُوَ أَحَدُ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ ، فَإِنَّهُ ذَهَبَ إِلَى إِبَاحَةِ وَطْءِ الْمَرْأَةِ بِمُجَرَّدِ انْقِطَاعِ دَمِ الْحَيْضِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْقُلُهُ عَنِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ أَيْضًا ، وَقَدْ حَكَاهُ الْقُرْطُبِيُّ عَنْ مُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ عَنْ طَاوُسٍ كَمَا تَقَدَّمَ ] . إِلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ ، رَحِمَهُ اللَّهُ ، يَقُولُ فِيمَا إِذَا انْقَطَعَ دَمُهَا لِأَكْثَرِ الْحَيْضِ ، وَهُوَ عَشَرَةُ أَيَّامٍ عِنْدَهُ : إِنَّهَا تَحِلُّ بِمُجَرَّدِ الِانْقِطَاعِ وَلَا تَفْتَقِرُ إِلَى غُسْلٍ [ وَلَا يَصِحُّ لِأَقَلِّ مِنْ ذَلِكَ الْمَزِيدِ فِي حِلِّهَا مِنَ الْغُسْلِ وَيَدْخُلُ عَلَيْهَا وَقْتُ صَلَاةٍ إِلَّا أَنْ تَكُونَ دَمِثَةً ، فَيَدْخُلُ بِمُجَرَّدِ انْقِطَاعِهِ ] وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : ( حَتَّى يَطْهُرْنَ ) أَيْ : مِنَ الدَّمِ ( فَإِذَا تَطَهَّرْنَ ) أَيْ : بِالْمَاءِ . وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ ، وَعِكْرِمَةُ ، وَالْحَسَنُ ، وَمُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ ، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ ، وَغَيْرُهُمْ .
وَقَوْلُهُ : ( مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ ) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ، وَمُجَاهِدٌ ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ : يَعْنِي الْفَرْجَ ; قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : ( فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ ) يَقُولُ فِي الْفَرْجِ وَلَا تَعْدُوهُ إِلَى غَيْرِهِ ، فَمَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَقَدِ اعْتَدَى .
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ : ( فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ ) أَيْ : أَنْ تَعْتَزِلُوهُنَّ . وَفِيهِ دَلَالَةٌ حِينَئِذٍ عَلَى تَحْرِيمِ الْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ ، كَمَا سَيَأْتِي تَقْرِيرُهُ قَرِيبًا .
وَقَالَ أَبُو رَزِينٍ ، وَعِكْرِمَةُ ، وَالضَّحَّاكُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ : ( فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ ) يَعْنِي : طَاهِرَاتٌ غَيْرُ حُيَّضٍ ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى : ( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ ) أَيْ : مِنَ الذَّنْبِ وَإِنَّ تَكَرَّرَ غِشْيَانُهُ ، ( وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) أَيِ : الْمُتَنَزِّهِينَ عَنِ الْأَقْذَارِ وَالْأَذَى ، وَهُوَ مَا نُهُوا عَنْهُ مِنْ إِتْيَانِ الْحَائِضِ ، أَوْ فِي غَيْرِ الْمَأْتَى .
وَقَوْلُهُ : ( نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ ) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : الْحَرْثُ مَوْضِعُ الْوَلَدِ ( فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) أَيْ : كَيْفَ شِئْتُمْ مُقْبِلَةً وَمُدْبِرَةً فِي صِمَامٍ وَاحِدٍ ، كَمَا ثَبَتَتْ بِذَلِكَ الْأَحَادِيثُ .
قَالَ الْبُخَارِيُّ : حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ : سَمِعْتُ جَابِرًا قَالَ : كَانَتِ الْيَهُودُ تَقُولُ : إِذَا جَامَعَهَا مِنْ وَرَائِهَا جَاءَ الْوَلَدُ أَحْوَلَ ، فَنَزَلَتْ : ( نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) وَرَوَاهُ دَاوُدُ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ بِهِ . [ ص: 589 ]
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ : حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ ، أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَابْنُ جُرَيْجٍ وَسُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ الثَّوْرِيُّ : أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْمُنْكَدِرِ حَدَّثَهُمْ : أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَهُ : أَنَّ الْيَهُودَ قَالُوا لِلْمُسْلِمِينَ : مَنْ أَتَى امْرَأَةً وَهِيَ مُدْبِرَةٌ جَاءَ الْوَلَدُ أَحْوَلَ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : ( نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ )
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ فِي الْحَدِيثِ : فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مُقْبِلَةٌ وَمُدْبِرَةٌ ، إِذَا كَانَ ذَلِكَ فِي الْفَرْجِ " .
وَفِي حَدِيثِ بَهْزِ بْنِ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ الْقُشَيْرِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، نِسَاؤُنَا مَا نَأْتِي مِنْهَا وَمَا نَذَرَ ؟ قَالَ : " حَرْثُكَ ، ائْتِ حَرْثَكَ أَنَّى شِئْتَ ، غَيْرَ أَلَّا تَضْرِبَ الْوَجْهَ ، وَلَا تُقَبِّحَ ، وَلَا تَهْجُرَ إِلَّا فِي الْمَبِيتِ . الْحَدِيثُ ، رَوَاهُ أَحْمَدُ ، وَأَهْلُ السُّنَنِ .
حَدِيثٌ آخَرُ : قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ : حَدَّثَنَا يُونُسُ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ ، أَخْبَرَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ ، عَنْ عَامِرِ بْنِ يَحْيَى ، عَنْ حَنَشِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : أَتَى نَاسٌ مِنْ حِمْيَرَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَسَأَلُوهُ عَنْ أَشْيَاءَ ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ : إِنِّي أَجْبِي النِّسَاءَ ، فَكَيْفَ تَرَى فِي ذَلِكَ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ : ( نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ ) .
حَدِيثٌ آخَرُ : قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ فِي كِتَابِهِ " مُشْكِلُ الْحَدِيثِ " : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ بْنِ مُوسَى ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ كَاسِبٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ : أَنَّ رَجُلًا أَصَابَ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا ، فَأَنْكَرَ النَّاسُ عَلَيْهِ ذَلِكَ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ : ( نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ يُونُسَ وَعَنْ يَعْقُوبَ ، بِهِ .
حَدِيثٌ آخَرُ : قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا عَفَّانُ ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ قَالَ : دَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ ابْنَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ فَقُلْتُ : إِنِّي سَائِلُكِ عَنْ أَمْرٍ ، وَإِنَّى أَسْتَحْيِي أَنْ أَسْأَلَكَ . قَالَتْ : فَلَا تَسْتَحْيِي يَا ابْنَ أَخِي . قَالَ : عَنْ إِتْيَانِ النِّسَاءِ فِي أَدْبَارِهِنَّ ؟ قَالَتْ : حَدَّثَتْنِي أَمُّ سَلَمَةَ أَنَّ الْأَنْصَارَ كَانُوا لَا يَجُبُّونَ النِّسَاءَ ، وَكَانَتِ الْيَهُودُ تَقُولُ : إِنَّهُ مَنْ جَبَّى امْرَأَتَهُ كَانَ الْوَلَدُ أَحْوَلَ ، فَلَمَّا قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ الْمَدِينَةَ نَكَحُوا فِي نِسَاءِ الْأَنْصَارِ ، فَجَبُّوهُنَّ ، فَأَبَتِ امْرَأَةٌ أَنْ تُطِيعَ زَوْجَهَا وَقَالَتْ : لَنْ تَفْعَلَ ذَلِكَ حَتَّى آتِيَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَدَخَلَتْ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَذَكَرَتْ لَهَا ذَلِكَ ، فَقَالَتِ : اجْلِسِي حَتَّى يَأْتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَمَّا جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَحْيَتِ الْأَنْصَارِيَّةُ أَنْ تَسْأَلَهُ ، فَخَرَجَتْ ، فَحَدَثَتْ أَمُّ سَلَمَةَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : " ادْعِي الْأَنْصَارِيَّةَ " : فَدُعِيَتْ ، فَتَلَا عَلَيْهَا هَذِهِ الْآيَةَ : " ( نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) صِمَامًا وَاحِدًا " . [ ص: 590 ]
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ ، عَنْ بُنْدَارٍ ، عَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنِ ابْنِ خُثَيْمٍ بِهِ . وَقَالَ : حَسَنٌ .
قُلْتُ : وَقَدْ رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ أَبِي حَنِيفَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ خُثَيْمٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ ، عَنْ حَفْصَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ : أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْهَا فَقَالَتْ : إِنْ زَوِّجِي يَأْتِينِي مُحَيِّيَةً وَمُسْتَقْبِلَةً فَكَرِهْتُهُ ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : " لَا بَأْسَ إِذَا كَانَ فِي صِمَامٍ وَاحِدٍ " .
حَدِيثٌ آخَرُ : قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا حَسَنٌ ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ يَعْنِي الْقَمِّيَّ عَنْ جَعْفَرٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : جَاءَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، هَلَكْتُ ! قَالَ : " مَا الَّذِي أَهْلَكَكَ ؟ " قَالَ : حَوَّلْتُ رَحْلَيِ الْبَارِحَةَ ! قَالَ : فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا . قَالَ : فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْآيَةَ : ( نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) أَقْبِلْ وَأَدْبِرْ ، وَاتَّقِ الدُّبُرَ وَالْحَيْضَةَ " .
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ ، عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ ، عَنْ حَسَنِ بْنِ مُوسَى الْأَشْيَبِ ، بِهِ . وَقَالَ : حَسَنٌ غَرِيبٌ .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ غَيْلَانَ ، حَدَّثَنَا رِشْدِينُ ، حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ ثَوْبَانَ ، عَنْ عَامِرِ بْنِ يَحْيَى الْمُعَافِرِيِّ ، عَنْ حَنَشٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ : ( نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ ) فِي أُنَاسٍ مِنَ الْأَنْصَارِ ، أَتَوُا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَسَأَلُوهُ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " آتِهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ ، إِذَا كَانَ فِي الْفَرْجِ " .
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى : حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ سُرَيْجٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ : أَثْفَرَ رَجَلٌ امْرَأَتَهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالُوا : أَثْفَرَ فُلَانٌ امْرَأَتَهُ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : ( نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) .
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ يَحْيَى أَبُو الْأَصْبَغِ ، قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ يَعْنِي ابْنَ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ، عَنْ أَبَانَ بْنِ صَالِحٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : إِنَّ ابْنَ عُمَرَ وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ أَوْهَمَ ، إِنَّمَا كَانَ أَهْلُ هَذَا الْحَيِّ مِنَ الْأَنْصَارِ وَهُمْ أَهْلُ وَثَنٍ مَعَ أَهْلِ هَذَا الْحَيِّ مِنْ يَهُودَ وَهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ وَكَانُوا يَرَوْنَ لَهُمْ فَضْلًا عَلَيْهِمْ فِي الْعِلْمِ ، فَكَانُوا يَقْتَدُونَ بِكَثِيرٍ مِنْ فِعْلِهِمْ ، وَكَانَ مِنْ أَمْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ لَا يَأْتُونَ النِّسَاءَ إِلَّا عَلَى حَرْفٍ ، وَذَلِكَ أَسْتَرُ مَا تَكُونُ الْمَرْأَةُ ، فَكَانَ هَذَا الْحَيُّ مِنَ الْأَنْصَارِ قَدْ أَخَذُوا بِذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِمْ ، وَكَانَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ قُرَيْشٍ يَشْرَحُونَ النِّسَاءَ شَرْحًا مُنْكَرًا ، وَيَتَلَذَّذُونَ بِهِنَّ مُقْبِلَاتٍ وَمُدْبِرَاتٍ وَمُسْتَلْقِيَاتٍ . فَلَمَّا قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ الْمَدِينَةَ تَزَوَّجَ رَجُلٌ مِنْهُمُ امْرَأَةً مِنَ [ ص: 591 ] الْأَنْصَارِ ، فَذَهَبَ يَصْنَعُ بِهَا ذَلِكَ ، فَأَنْكَرَتْهُ عَلَيْهِ ، وَقَالَتْ : إِنَّمَا كُنَّا نُؤَتَّى عَلَى حَرْفٍ . فَاصْنَعْ ذَلِكَ وَإِلَّا فَاجْتَنِبْنِي ، فَسَرَى أَمْرُهُمَا ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ : ( نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) أَيْ : مُقْبِلَاتٌ ، وَمُدْبِرَاتٌ ، وَمُسْتَلْقِيَاتٌ يَعْنِي بِذَلِكَ مَوْضِعَ الْوَلَدِ .
تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو دَاوُدَ ، وَيَشْهَدُ لَهُ بِالصِّحَّةِ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْأَحَادِيثِ ، وَلَا سِيَّمَا رِوَايَةَ أُمِّ سَلَمَةَ ، فَإِنَّهَا مُشَابَهَةٌ لِهَذَا السِّيَاقِ .
وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ، عَنْ أَبَانَ بْنِ صَالِحٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ : عَرَضْتُ الْمُصْحَفَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ فَاتِحَتِهِ إِلَى خَاتِمَتِهِ ، أُوقِفُهُ عِنْدَ كُلِّ آيَةٍ مِنْهُ وَأَسْأَلُهُ عَنْهَا ، حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى هَذِهِ الْآيَةِ : ( نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : إِنَّ هَذَا الْحَيَّ مِنْ قُرَيْشٍ كَانُوا يَشْرَحُونَ النِّسَاءَ بِمَكَّةَ ، وَيَتَلَذَّذُونَ بِهِنَّ . . فَذَكَرَ الْقِصَّةَ بِتَمَامِ سِيَاقِهَا .
وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ : " إِنَّ ابْنَ عُمَرَ وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ أَوْهَمَ " . كَأَنَّهُ يُشِيرُ إِلَى مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ :
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ ، حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ عَنْ نَافِعٍ قَالَ : كَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ لَمْ يَتَكَلَّمْ حَتَّى يَفْرَغَ مِنْهُ ، فَأَخَذْتُ عَلَيْهِ يَوْمًا فَقَرَأَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ ، حَتَّى انْتَهَى إِلَى مَكَانٍ قَالَ : أَتُدْرِي فِيمَ أُنْزِلَتْ ؟ قُلْتُ : لَا . قَالَ : أُنْزِلَتْ فِي كَذَا وَكَذَا . ثُمَّ مَضَى . وَعَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي ، حَدَّثَنِي أَيُّوبُ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ : ( فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) قَالَ : يَأْتِيهَا فِي
هَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ، وَقَدْ تَفَرَّدَ بِهِ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ .
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ : حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ : قَرَأْتُ ذَاتَ يَوْمٍ : ( نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ : أَتُدْرِي فِيمَ نَزَلَتْ ؟ قُلْتُ : لَا . قَالَ : نَزَلَتْ فِي إِتْيَانِ النِّسَاءِ فِي أَدْبَارِهِنَّ .
وَحَدَّثَنِي أَبُو قِلَابَةَ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ ، حَدَّثَنِي أَبِي ، عَنْ أَيُّوبَ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ : ( فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) قَالَ : فِي الدُّبُرِ .
وَرُوِيَ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، وَلَا يَصِحُّ .
وَرَوَى النَّسَائِيُّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ : أَنَّ رَجُلًا أَتَى امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا ، فَوَجَدَ فِي نَفْسِهِ مِنْ ذَلِكَ [ ص: 592 ] وَجْدًا شَدِيدًا ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ : ( نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) .
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ : لَوْ كَانَ هَذَا عِنْدَ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ لَمَا أُولِعَ النَّاسُ بِنَافِعٍ . وَهَذَا تَعْلِيلٌ مِنْهُ لِهَذَا الْحَدِيثِ .
وَقَدْ رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ قَيْسٍ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ فَذَكَرَهُ .
وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ، وَهُوَ أَنَّهُ يَأْتِيهَا فِي قُبُلِهَا مِنْ دُبُرِهَا ، لِمَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا عَنْ عَلِيِّ بْنِ عُثْمَانَ النُّفَيْلِيِّ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عِيسَى ، عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ فَضَالَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ الطَّوِيلِ ، عَنْ كَعْبِ بْنِ عَلْقَمَةَ ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ : أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَالَ لِنَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ : إِنَّهُ قَدْ أَكْثَرَ عَلَيْكَ الْقَوْلَ : إِنَّكَ تَقُولُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ إِنَّهُ أَفْتَى أَنْ تُؤْتَى النِّسَاءُ فِي أَدْبَارِهِنَّ قَالَ : كَذَبُوا عَلَيَّ ، وَلَكِنْ سَأُحَدِّثُكَ كَيْفَ كَانَ الْأَمْرُ : إِنَّ ابْنَ عُمَرَ عَرَضَ الْمُصْحَفَ يَوْمًا وَأَنَا عِنْدَهُ ، حَتَّى بَلَغَ : ( نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) فَقَالَ : يَا نَافِعُ ، هَلْ تَعْلَمُ مِنْ أَمْرِ هَذِهِ الْآيَةِ ؟ قُلْتُ : لَا . قَالَ : إِنَّا كُنَّا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ نُجَبِّي النِّسَاءَ ، فَلَمَّا دَخَلْنَا الْمَدِينَةَ وَنَكَحْنَا نِسَاءَ الْأَنْصَارِ ، أَرَدْنَا مِنْهُنَّ مِثْلَ مَا كُنَّا نُرِيدُ فَإِذَا هُنَّ قَدْ كَرِهْنَ ذَلِكَ وَأَعْظَمْنَهُ ، وَكَانَتْ نِسَاءُ الْأَنْصَارِ قَدْ أَخَذْنَ بِحَالِ الْيَهُودِ ، إِنَّمَا يُؤْتَيْنَ عَلَى جَنُوبِهِنَّ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ : ( نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) .
وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ ، وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ ، عَنِ الطَّبَرَانِيِّ ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ إِسْحَاقَ ، عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ يَحْيَى الْكَاتِبِ الْعُمَرِيِّ ، عَنْ مُفَضَّلِ بْنِ فَضَالَةَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ كَعْبِ بْنِ عَلْقَمَةَ ، فَذَكَرَهُ . وَقَدْ رُوِّينَا عَنِ ابْنِ عُمَرَ خِلَافَ ذَلِكَ صَرِيحًا ، وَأَنَّهُ لَا يُبَاحُ وَلَا يَحِلُّ كَمَا سَيَأْتِي ، وَإِنْ كَانَ قَدْ نُسِبَ هَذَا الْقَوْلُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ وَغَيْرِهِمْ ، وَعَزَاهُ بَعْضُهُمْ إِلَى الْإِمَامِ مَالِكٍ فِي كِتَابِ السِّرِّ وَأَكْثَرُ النَّاسِ يَنْكَرُ أَنْ يَصِحَّ ذَلِكَ عَنِ الْإِمَامِ مَالِكٍ ، رَحِمَهُ اللَّهُ . وَقَدْ وَرَدَتِ الْأَحَادِيثُ الْمَرْوِيَّةُ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ بِالزَّجْرِ عَنْ فِعْلِهِ وَتَعَاطِيهِ ; فَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ :
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " اسْتَحْيُوا ، إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ ، لَا يَحِلُّ مَأْتَى النِّسَاءِ فِي حُشُوشِهِنَّ " .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ عَبْدِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يَأْتِيَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا .
[ ص: 593 ]
طَرِيقٌ أُخْرَى : قَالَ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ ، سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُسَامَةَ ابْنِ الْهَادِ : أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَصِينِ الْوَالِبِيَّ حَدَّثَهُ أَنَّ هَرَمِيَّ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْوَاقِفِيَّ حَدَّثَهُ : أَنَّ خُزَيْمَةَ بْنَ ثَابِتٍ الْخَطْمِيَّ حَدَّثَهُ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَا يَسْتَحْيِي اللَّهُ مِنَ الْحَقِّ ، لَا يَسْتَحْيِي اللَّهُ مِنَ الْحَقِّ ثَلَاثًا لَا تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي أَعْجَازِهِنَّ " .
وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ ، وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طُرُقٍ ، عَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ . وَفِي إِسْنَادِهِ اخْتِلَافٌ كَثِيرٌ .
حَدِيثٌ آخَرُ : قَالَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ ، وَالنَّسَائِيُّ : حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ ، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ ، عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ ، عَنْ كُرَيْبٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى رَجُلٍ أَتَى رَجُلًا أَوِ امْرَأَةً فِي الدُّبُرِ " . ثُمَّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ . وَهَكَذَا أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ . وَصَحَّحَهُ ابْنُ حَزْمٍ أَيْضًا . وَلَكِنْ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ ، عَنْ هَنَّادٍ ، عَنْ وَكِيعٍ ، عَنِ الضَّحَّاكِ ، بِهِ مَوْقُوفًا .
وَقَالَ عَبْدٌ : أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ ، عَنْ أَبِيهِ : أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ إِتْيَانِ الْمَرْأَةِ فِي دُبُرِهَا ، قَالَ : تَسْأَلُنِي عَنِ الْكُفْرِ ! [ إِسْنَادٌ صَحِيحٌ ] .
وَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ ، مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْمُبَارَكِ ، عَنْ مَعْمَرٍ بِهِ نَحْوَهُ
حَدِيثٌ آخَرُ : قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ ، حَدَّثَنَا هُمَامٌ ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " الَّذِي يَأْتِي امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا هِيَ اللُّوطِيَّةُ الصُّغْرَى " .
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ : حَدَّثَنِي هُدْبَةُ ، حَدَّثَنَا هُمَامٌ ، قَالَ : سُئِلَ قَتَادَةُ عَنِ الَّذِي يَأْتِي امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا . فَقَالَ قَتَادَةُ : حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " هِيَ اللُّوطِيَّةُ الصُّغْرَى " .
قَالَ قَتَادَةُ : وَحَدَّثَنِي عُقْبَةُ بْنُ وَسَّاجٍ ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ : وَهَلْ يَفْعَلُ ذَلِكَ إِلَّا كَافِرٌ ؟ .
وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ يَحْيَىُ بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، قَوْلَهُ . وَهَذَا أَصَحُّ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ ، عَنْ حُمَيْدٍ الْأَعْرَجِ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، مَوْقُوفًا مِنْ قَوْلِهِ .
طَرِيقٌ أُخْرَى : قَالَ جَعْفَرٌ الْفِرْيَابِيُّ : حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادِ بْنِ أنْعُمٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " سَبْعَةٌ لَا يَنْظُرُ [ ص: 594 ] اللَّهُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ ، وَيَقُولُ : ادْخُلُوا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ : الْفَاعِلُ وَالْمَفْعُولُ بِهِ ، وَالنَّاكِحُ يَدَهُ ، وَنَاكِحُ الْبَهِيمَةِ ، وَنَاكِحُ الْمَرْأَةِ فِي دُبُرِهَا ، وَجَامِعٌ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَابْنَتِهَا ، وَالزَّانِي بِحَلِيلَةِ جَارِهِ ، وَالْمُؤْذِي جَارَهُ حَتَّى يَلْعَنَهُ " .
ابْنُ لَهِيعَةَ وَشَيْخُهُ ضَعِيفَانِ .
حَدِيثٌ آخَرُ : قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ عَاصِمٍ ، عَنْ عِيسَى بْنِ حَطَّانَ ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ سَلَّامٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ طَلْقٍ ، قَالَ : نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُؤْتَى النِّسَاءُ فِي أَدْبَارِهِنَّ ; فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ .
وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ أَيْضًا ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ ، وَأَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُعَاوِيَةَ أَيْضًا ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ [ بِهِ ] وَفِيهِ زِيَادَةٌ ، وَقَالَ : هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ .
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُورِدُ هَذَا الْحَدِيثَ فِي مُسْنَدِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، كَمَا وَقَعَ فِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ عَلِيُّ بْنُ طَلْقٍ .
حَدِيثٌ آخَرُ : قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ مَخْلَدٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ الَّذِي يَأْتِي امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِ " .
وَحَدَّثَنَا عَفَّانُ ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ ، حَدَّثَنَا سُهَيْلٌ ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ مَخْلَدٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى رَجُلٍ جَامَعَ امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا " .
وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ سُهَيْلٍ .
وَحَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ مَخْلَدٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَلْعُونٌ مَنْ أَتَى امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا " .
وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، بِهِ .
طَرِيقٌ أُخْرَى : قَالَ الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ الْأَصْبَهَانِيُّ : أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ الرَّيَّانِ ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَائِيُّ ، حَدَّثَنَا هَنَّادٌ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ وَاللَّفْظُ لَهُ قَالَا : حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَلْعُونٌ مَنْ أَتَى امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا " . [ ص: 595 ]
لَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ هَكَذَا فِي سُنَنِ النَّسَائِيِّ ، وَإِنَّمَا الَّذِي فِيهِ عَنْ سُهَيْلٍ ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ مَخْلَدٍ ، كَمَا تَقَدَّمَ .
قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الذَّهَبِيُّ : وَرِوَايَةُ أَحْمَدَ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ الرَّيَّانِ هَذَا الْحَدِيثُ بِهَذَا السَّنَدِ ، وَهْمٌ مِنْهُ ، وَقَدْ ضَعَّفُوهُ .
طَرِيقٌ أُخْرَى : رَوَاهَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ الزَّنْجِيُّ ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَلْعُونٌ مَنْ أَتَى النِّسَاءَ فِي أَدْبَارِهِنَّ " .
وَمُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ فِيهِ كَلَامٌ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
طَرِيقٌ أُخْرَى : رَوَاهَا الْإِمَامُ أَحْمَدُ ، وَأَهْلُ السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ حَكِيمٍ الْأَثْرَمِ ، عَنْ أَبِي تَمِيمَةَ الْهُجَيْمِيِّ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَنْ أَتَى حَائِضًا أَوِ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا ، أَوْ كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ " .
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ : ضَعَّفَ الْبُخَارِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ . وَالَّذِي قَالَهُ الْبُخَارِيُّ فِي حَدِيثِ حَكِيمٍ [ الْأَثْرَمِ ] عَنْ أَبِي تَمِيمَةَ : لَا يُتَابَعُ فِي حَدِيثِهِ .
طَرِيقٌ أُخْرَى : قَالَ النَّسَائِيُّ : حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مِنْ كِتَابِهِ ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّنْعَانِيِّ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " اسْتَحْيُوا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ ، لَا تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي أَدْبَارِهِنَّ " .
تَفَرَّدَ بِهِ النَّسَائِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ .
قَالَ حَمْزَةُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِنَانِيُّ الْحَافِظُ : هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ بَاطِلٌ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي سَلَمَةَ وَمِنْ حَدِيثِ سَعِيدٍ ; فَإِنْ كَانَ عَبْدُ الْمَلِكِ سَمِعَهُ مِنْ سَعِيدٍ ، فَإِنَّمَا سَمِعَهُ بَعْدَ الِاخْتِلَاطِ ، وَقَدْ رَوَاهُ الزُّهْرِيُّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّهُ كَانَ يَنْهَى عَنْ ذَلِكَ ، فَأَمَّا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا . انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَقَدْ أَجَادَ وَأَحْسَنَ الِانْتِقَادَ ; إِلَّا أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ [ بْنَ مُحَمَّدٍ ] الصَّنْعَانِيَّ لَا يُعْرَفُ أَنَّهُ اخْتَلَطَ ، وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ أَحَدٌ غَيْرُ حَمْزَةَ الْكِنَانِيِّ ، وَهُوَ ثِقَةٌ ، وَلَكِنْ تَكَلَّمَ فِيهِ دُحَيْمٌ ، وَأَبُو حَاتِمٍ ، وَابْنُ حِبَّانَ ، وَقَالَ : لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ . وَقَدْ تَابَعَهُ زَيْدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عُبَيْدٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ . وَرُوِيَ مِنْ طَرِيقَيْنِ آخَرَيْنِ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ . وَلَا يَصِحُّ مِنْهَا شَيْءٌ .
طَرِيقٌ أُخْرَى : قَالَ النَّسَائِيُّ : حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : إِتْيَانُ الرِّجَالِ النِّسَاءِ فِي [ ص: 596 ] أَدْبَارِهِنَّ كُفْرٌ .
ثُمَّ رَوَاهُ ، عَنْ بُنْدَارٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، بِهِ . قَالَ : مَنْ أَتَى امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا مَلَكَ كُفْرَهُ . هَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ ، مِنْ طَرِيقِ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ لَيْثٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفًا . وَكَذَا رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ ابْنِ بَذِيمَةَ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفًا . وَرَوَاهُ بَكْرُ بْنُ خُنَيْسٍ ، عَنْ لَيْثٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَنْ أَتَى شَيْئًا مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فِي الْأَدْبَارِ فَقَدْ كَفَرَ " وَالْمَوْقُوفُ أَصَحُّ ، وَبَكْرُ بْنُ خُنَيْسٍ ضَعَّفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ ، وَتَرَكَهُ آخَرُونَ .
حَدِيثٌ آخَرُ : قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ الْبَلْخِيُّ : حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، حَدَّثَنَا زَمْعَةُ بْنُ صَالِحٍ ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ ، عَنْ أَبِيهِ وَعَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ الْهَادِ قَالَا قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ ، لَا تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي أَدْبَارِهِنَّ " .
وَقَدْ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ : حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَعْقُوبَ الطَّالِقَانِيُّ ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْيَمَانِ ، عَنْ زَمْعَةَ بْنِ صَالِحٍ ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ الْهَادِ ، عَنْ عُمَرَ قَالَ : " لَا تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي أَدْبَارِهِنَّ " .
وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَكِيمٍ ، عَنْ زَمْعَةَ بْنِ صَالِحٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، عَنْ طَاوُسٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَادِ اللَّيْثِيِّ قَالَ : قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : اسْتَحْيُوا مِنَ اللَّهِ ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ ، لَا تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي أَدْبَارِهِنَّ . الْمَوْقُوفُ أَصَحُّ .
حَدِيثٌ آخَرُ : قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ وَمُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَا : حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ ، عَنْ عِيسَى بْنِ حِطَّانَ ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ سَلَّامٍ ، عَنْ طَلْقِ بْنِ يَزِيدَ أَوْ يَزِيدَ بْنِ طَلْقٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ ، لَا تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي أَسْتَاهِهِنَّ " .
وَكَذَا رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ ، عَنْ شُعْبَةَ . وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ ، عَنْ عِيسَى بْنِ حِطَّانَ ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ سَلَّامٍ ، عَنْ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ ، وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ عَلِيُّ بْنُ طَلْقٍ ، كَمَا تَقَدَّمَ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
حَدِيثٌ آخَرُ : قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْأَثْرَمُ فِي سُنَنِهِ : حَدَّثَنَا أَبُو مُسْلِمٍ الْحَرَمِيُّ ، حَدَّثَنَا أَخِي أُنَيْسِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ أَنَّ أَبَاهُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَعْقَاعِ أَخْبَرَهُ ، عَنْ أَبِيهِ أَبِي الْقَعْقَاعِ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، [ ص: 597 ] رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَحَاشِ النِّسَاءِ حَرَامٌ " .
وَقَدْ رَوَاهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، وَشُعْبَةُ ، وَغَيْرُهُمْ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الشَّقِرِيِّ وَاسْمُهُ سَلَمَةَ بْنُ تَمَامٍ : ثِقَةٌ عَنْ أَبِي الْقَعْقَاعِ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَوْقُوفًا . وَهُوَ أَصَحُّ .
طَرِيقٌ أُخْرَى : قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ : حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمُحَامِلِيُّ ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى الْأُمَوِيُّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَمْزَةَ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ رُفَيْعٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي أَعْجَازِهِنَّ " مُحَمَّدُ بْنُ حَمْزَةَ هُوَ الْجَزَرِيُّ وَشَيْخُهُ ، فِيهِمَا مَقَالٌ .
وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَالْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ ، وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ وَأَبِي ذَرٍّ ، وَغَيْرِهِمْ . وَفِي كُلٍّ مِنْهَا مَقَالٌ لَا يَصِحُّ مَعَهُ الْحَدِيثُ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ ، عَنِ الصَّلْتِ بْنِ بَهْرَامَ ، عَنْ أَبِي الْمُعْتَمِرِ ، عَنْ أَبِي جُوَيْرِيَةَ قَالَ : سَأَلَ رَجُلٌ عَلِيًّا عَنْ إِتْيَانِ امْرَأَةٍ فِي دُبُرِهَا ، فَقَالَ : سَفَلْتَ ، سَفَّلَ اللَّهُ بِكَ ! أَلَمْ تَسْمَعْ إِلَى قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : ( أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ ) [ الْأَعْرَافِ : 80 ]  
وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ ، وَابْنِ عَبَّاسٍ ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فِي تَحْرِيمِ ذَلِكَ ، وَهُوَ الثَّابِتُ بِلَا شَكٍّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، أَنَّهُ يُحَرِّمُهُ .
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الدَّارِمِيِّ فِي مُسْنَدِهِ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ يَعْقُوبَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ أَبِي الْحُبَابِ قَالَ : قُلْتُ لِابْنِ عُمَرَ : مَا تَقُوُلُ فِي الْجَوَارِي ، أَنُحْمِضُ لَهُنَّ ؟ قَالَ : وَمَا التَّحْمِيضُ ؟ فَذَكَرَ الدُّبُرَ . فَقَالَ : وَهَلْ يَفْعَلُ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ؟
وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ وَقُتَيْبَةُ ، عَنِ اللَّيْثِ ، بِهِ . وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ وَنَصٌّ صَرِيحٌ مِنْهُ بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ ، فَكُلُّ مَا وَرَدَ عَنْهُ مِمَّا يَحْتَمِلُ وَيَحْتَمِلُ فَهُوَ مَرْدُودٌ إِلَى هَذَا الْمُحْكَمِ .
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ : حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ ، حَدَّثَنَا أَبُو زَيْدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي الْغَمْرِ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ، إِنَّ النَّاسَ يَرْوُونَ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ : كَذَبَ الْعَبْدُ ، أَوِ الْعِلْجُ ، عَلَى أَبِي [ عَبْدِ اللَّهِ ] فَقَالَ مَالِكٌ : أَشْهَدُ عَلَى يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ أَنَّهُ أَخْبَرَنِي ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ مِثْلَ مَا قَالَ نَافِعٌ . فَقِيلَ لَهُ : فَإِنَّ الْحَارِثَ بْنَ يَعْقُوبَ يَرْوِي عَنْ أَبِيِ الْحُبَابِ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ : أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ فَقَالَ لَهُ : يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، إِنَّا نَشْتَرِي الْجَوَارِيَ أَفَنُحْمِضُ لَهُنَّ ؟ فَقَالَ : وَمَا التَّحْمِيضُ ؟ فَذَكَرُ لَهُ الدُّبُرَ . فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ : أُفٍّ ! أُفٍّ ! أَيَفْعَلُ ذَلِكَ مُؤْمِنٌ أَوْ قَالَ : مُسْلِمٌ . فَقَالَ مَالِكٌ : أَشْهَدُ عَلَى رَبِيعَةَ [ ص: 598 ] لَأَخْبَرَنِي عَنْ أَبِي الْحُبَابِ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، مِثْلَ مَا قَالَ نَافِعٌ .
وَرَوَى النَّسَائِيُّ ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ ، عَنْ أَصْبُغَ بْنِ الْفَرَجِ الْفَقِيهِ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ قَالَ : قُلْتُ لِمَالِكٍ : إِنَّ عِنْدَنَا بِمِصْرَ اللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ يُحَدِّثُ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ يَعْقُوبَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ ، قَالَ : قُلْتُ لِابْنِ عُمَرَ : إِنَّا نَشْتَرِي الْجَوَارِيَ ، فَنُحَمِّضُ لَهُنَّ ؟ قَالَ : وَمَا التَّحْمِيضُ ؟ قُلْتُ : نَأْتِيهِنَّ فِي أَدْبَارِهِنَّ . فَقَالَ : أُفٍّ ! أُفٍّ ! أَوْ يَعْمَلُ هَذَا مُسْلِمٌ ؟ فَقَالَ لِي مَالِكٌ : فَأَشْهَدُ عَلَى رَبِيعَةَ لَحَدَّثَنِي عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ ، فَقَالَ : لَا بَأْسَ بِهِ .
وَرَوَى النَّسَائِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا أَنْ يَأْتِيَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ فِي دُبُرِهَا .
وَرَوَى مَعْنُ بْنُ عِيسَى ، عَنْ مَالِكٍ : أَنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ .
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ زِيَادٍ النَّيْسَابُورِيُّ : حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ حُصَيْنٍ ، حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ رَوْحٍ : سَأَلْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ : مَا تَقُولُ فِي إِتْيَانِ النِّسَاءِ فِي أَدْبَارِهِنَّ : قَالَ : مَا أَنْتُمْ قَوْمٌ عَرَبٌ . هَلْ يَكُونُ الْحَرْثُ إِلَّا مَوْضِعَ الزَّرْعِ ، لَا تَعْدُو الْفَرْجَ .
قُلْتُ : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ، إِنَّهُمْ يَقُولُونَ : إِنَّكَ تَقُولُ ذَلِكَ ؟ ! قَالَ : يَكْذِبُونَ عَلَيَّ ، يَكْذِبُونَ عَلَيَّ .
فَهَذَا هُوَ الثَّابِتُ عَنْهُ ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَالشَّافِعِيِّ ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَأَصْحَابِهِمْ قَاطِبَةً . وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، وَأَبِي سَلَمَةَ ، وَعِكْرِمَةَ ، وَطَاوُسٍ ، وَعَطَاءٍ ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ ، وَمُجَاهِدِ بْنِ جَبْرٍ وَالْحَسَنِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ السَّلَفِ : أَنَّهُمْ أَنْكَرُوا ذَلِكَ أَشَدَّ الْإِنْكَارِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُطْلِقُ عَلَى فَاعِلِهِ الْكُفْرَ ، وَهُوَ مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ .
وَقَدْ حُكِيَ فِي هَذَا شَيْءٌ عَنْ بَعْضِ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ ، حَتَّى حَكَوْهُ عَنِ الْإِمَامِ مَالِكٍ ، وَفِي صِحَّتِهِ عَنْهُ نَظَرٌ .
[ وَقَدْ رَوَى ابْنُ جَرِيرٍ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ لَهُ وَجَمَعَهُ عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الْأَحْوَصِ بْنِ وَهْبٍ إِبَاحَتُهُ ] .
قَالَ الطَّحَاوِيُّ : رَوَى أَصْبُغُ بْنُ الْفَرَجِ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ قَالَ : مَا أَدْرَكْتُ أَحَدًا أَقْتَدِي بِهِ فِي دِينِي يَشُكُّ أَنَّهُ حَلَالٌ . يَعْنِي وَطْءَ الْمَرْأَةِ فِي دُبُرِهَا ، ثُمَّ قَرَأَ : ( نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ ) ثُمَّ قَالَ : فَأَيُّ شَيْءٍ أَبْيَنُ مِنْ هَذَا ؟ هَذِهِ حِكَايَةُ الطَّحَاوِيِّ .
وَقَدْ رَوَى الْحَاكِمُ ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ ، وَالْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ ، عَنِ الْإِمَامِ مَالِكٍ مِنْ طُرُقٍ مَا يَقْتَضِي [ ص: 599 ] إِبَاحَةَ ذَلِكَ . وَلَكِنْ فِي الْأَسَانِيدِ ضَعْفٌ شَدِيدٌ ، وَقَدِ اسْتَقْصَاهَا شَيْخُنَا الْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الذَّهَبِيُّ فِي جُزْءٍ جَمَعَهُ فِي ذَلِكَ ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ : حَكَى لَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنَّهُ سَمِعَ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ : مَا صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَحْلِيلِهِ وَلَا تَحْرِيمِهِ شَيْءٌ . وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ حَلَالٌ . وَقَدْ رَوَى ذَلِكَأَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الصَّيْرَفِيِّ ، عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ الْأَصَمِّ ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ ، سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ . . . فَذَكَرَ . قَالَ أَبُو نَصْرٍ الصَّبَّاغُ : كَانَ الرَّبِيعُ يَحْلِفُ بِالْلَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ : لَقَدْ كَذَبَ يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الْحَكَمِ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَى تَحْرِيمِهِ فِي سِتَّةِ كُتُبٍ مِنْ كُتُبِهِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ : وَمِمَّنْ يُنْسَبُ إِلَيْهِ هَذَا الْقَوْلُ وَهُوَ إِبَاحَةُ وَطْءِ الْمَرْأَةِ فِي دُبُرِهَا سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَنَافِعٌ وَابْنُ عُمَرَ وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمَاجِشُونِ . وَهَذَا الْقَوْلُ فِي الْعُتْبِيَّةِ . وَحَكَى ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ فِي كِتَابٍ لَهُ أَسْمَاهُ كِتَابُ السِّرِّ ، وَحُذَّاقُ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَمَشَايِخُهُمْ يُنْكِرُونَ ذَلِكَ الْكِتَابَ ، وَمَالِكٌ أَجَلُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ كِتَابُ السِّرِّ وَوَقَعَ هَذَا الْقَوْلُ فِي الْعُتْبِيَّةِ ، وَذَكَرَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ أَنَّ ابْنَ شَعْبَانَ أَسْنَدَ هَذَا الْقَوْلَ إِلَى زُمْرَةٍ كَبِيرَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَإِلَى مَالِكٍ مِنْ رِوَايَةٍ كَثِيرَةٍ مِنْ كِتَابِ جِمَاعِ النِّسْوَانِ وَأَحْكَامِ الْقُرْآنِ هَذَا لَفْظُهُ قَالَ : وَحَكَى الْكَيَا الْهَرَّاسِيُّ الطَّبَرِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ أَنَّهُ اسْتَدَلَّ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ : ( أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ ) الشُّعَرَاءِ : [ 165 ، 166 ] .
يَعْنِي مِثْلَهُ مِنَ الْمُبَاحِ ثُمَّ رَدَّهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ لَهُمْ مِنْ فُرُوجِ النِّسَاءِ لَا أَدْبَارِهِنَّ . قُلْتُ : وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَمَا قَالَهُ الْقُرَظِيُّ إِنْ كَانَ صَحِيحًا إِلَيْهِ فَخَطَأٌ . وَقَدْ صَنَّفَ النَّاسُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُصَنَّفَاتٍ مِنْهُمْ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ وَسَمَّى كِتَابَهُ إِظْهَارُ إِدْبَارِ مَنْ أَجَازَ الْوَطْءَ فِي الْأَدْبَارِ .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى : ( وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ ) أَيْ : مِنْ فِعْلِ الطَّاعَاتِ ، مَعَ امْتِثَالِ مَا نَهَاكُمْ عَنْهُ مِنْ تَرْكِ الْمُحَرَّمَاتِ ; وَلِهَذَا قَالَ : ( وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ ) أَيْ : فَيُحَاسِبُكُمْ عَلَى أَعْمَالِكُمْ جَمِيعًا .
( وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ) أَيِ : الْمُطِيعِينَ لِلَّهِ فِيمَا أَمَرَهُمْ ، التَّارِكِينَ مَا عَنْهُ زَجَرَهُمْ .
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ : حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ ، حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَاقِدٍ ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ : أَرَاهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : ( وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ ) قَالَ : يَقُولُ : " بِاسْمِ اللَّهِ " ، التَّسْمِيَةُ عِنْدَ الْجِمَاعِ .
وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ قَالَ : بِاسْمِ اللَّهِ ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا ، فَإِنَّهُ إِنْ يُقَدَّرْ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فِي ذَلِكَ لَمْ يَضُرَّهُ الشَّيْطَانُ أَبَدًا " .
يأتي ان شاء الله صفحة 141

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق